علينا نحن معشر الصحفيين المؤتمنين على احترام أخلاقيات المهنة أن نتسلح بقدر كبير من الصبر إلى حد الجلد وبقدر أكبر من الذكاء إلى حد الدهاء علنا نتوصل إلى تفكيك خطاب حركة النهضة المفخخ سياسيا. فالحركة التي استأثرت ب 41 في المائة من أصوات الناخبين فيما فضل 59 في المائة من الناخبين غيرها من الأحزاب تنتهج خطابين اثنين لا ثالث لهما، ربما كان الأمر مقبولا لما كانت في المعارضة تتحرك في حقل مشهد استبدادي يجبرها على المناورة والمراوغة، أما وقد أصبحت حركة تتهيأ لحكم البلاد والعباد فإنها مطالبة بأن تتوجه بخطاب واحد للشعب التونسي. ووفاء لأخلاقيات المهنة الصحفية المرة ننقل تصريحين اثنين بكل أمانة: نقلت وكالة الأنباء القطرية يوم 31 أكتوبر الماضي عن الشيخ راشد الغنوشي من الدوحة قوله "انه سيدرج في الدستور الجديد الذي سيصيغه المجلس الوطني التأسيسي أن تونس دولة عربية مسلمة". وأضاف الغنوشي "نؤكد على قناعتنا انه لا تناقض بين الإسلام والعقل وبين الإسلام والعلم وبين الإسلام والحرية وبين الإسلام والحداثة وبين الإسلام والديمقراطية ولا يمكن تصور تناقض بين الإسلام ومصلحة الإنسان فكل ما يحقق العدل فهو من الإسلام ". ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء يوم 2 نوفمبر عن الأمين العام لحركة النهضة ومرشحها لرئاسة الحكومة حمادي الجبالي خلال لقاء جمعه، يوم الثلاثاء، بثلة من أعضاء ومسؤولي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أن حركة النهضة ستعمل وبمعية كافة مكونات المجتمع على "بناء دولة المواطنة والعدالة" مضيفا أن" الدولة في مفهومها الجديد يجب أن تكون حكما وليست طرفا ودولة ضامنة للحريات والتوزيع العادل للثروات". يشدد الغنوشي من الدوحة على أن الحركة تعمل على بناء دولة إسلامية في حين يؤكد الجبالي في تونس على أن حركة النهضة تعمل على بناء دولة المواطنة التي هي بالتعريف دولة مدنية. وللإشارة فإن مرجعية الدولة الإسلامية هي القرآن والسنة والشريعة أما مرجعية دولة المواطنة المدنية فهي الدستور الوضعي الذي سيصوغه المجلس التأسيسي إن شاء الله. يبدو أن للمكان سطوته، حيث تحدث الغنوشي عن الدولة الإسلامية من الدوحة في حين تحدث الجبالي عن دولة المواطنة من تونس. ما هو معروف في تونس بالضرورة أن البلاد عربية مسلمة وينص الفصل الأول من دستورها المعلق على أن "دينها الإسلام ولغتها العربية" لكن من المعروف بالضرورة أيضا أن تونس دولة مدنية مرجعها الدستور الوضعي الذي لا يتناقض مع الإسلام. هناك لغز ما في خطاب حركة النهضة، إما وجود "تلوينات" على حد تعبير الغنوشي تضم عناصر لبرالية تعمل على "تونسة النهضة" بدل "أسلمة المجتمع" المسلم أصلا أو أن قيادات الحركة تتقاسم الأدوار السياسية وهو أمر في منتهى الخطورة بعد فوز النهضة التي منحها نصف التونسيين ثقتهم . ومع الاعتراف بصعوبة فهم اللغز فإن حركة النهضة التي ستستلم الحكم في أول رهان عربي على "الديمقراطية الإسلامية" عليها أن تأخذ بعين الاعتبار نقطتين، أولهما أن التونسيين استأمنوها على عملية الانتقال الديمقراطي التي سقط من أجلها الشهداء، وثانيها أن المجتمع التونسي له خصوصياته الاجتماعية والثقافية بما في ذلك نخب مثقفة ليبرالية وعلمانية هي من ضمن ال 59 بالمائة الذين لم ينتخبوا النهضة. باختصار أمام حركة النهضة فرصة تاريخية لتامين عملية انتقال ديمقراطي بمشاركة كل الأحزاب السياسية والحساسيات الفكرية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تغلبت الحركة على "تلويناتها" وأرست مقومات دولة المواطنة المدنية. منور مليتي ميدل ايست اونلاين