نذر الأمير سلمان بن عبد العزيز نفسه لخدمة الوطن، حيث قضى أكثر من 50 عاما أميرا للرياض، وعمل بجهده الدؤوب والمخلص لتنمية المنطقة وتطويرها، ليس هذا فحسب، بل إن نشاطه لم يقتصر على العمل الرسمي، بل كان له باع طويل في العمل الإنساني، حيث كانت الرياض مركز نشاط خيري داخلي وخارجي يشرف عليها الأمير سلمان، وإن ما تحقق لمدينة الرياض كان بفضل الله ثم بجهود مخلصة وصادقة وحثيثة من ابنها البار الأمير سلمان بن عبد العزيز بخاصة، الذي واكب اهتمامه بمدينة الرياض تطور هذه المدينة على مر السنين، فعندما تم انتقال وزارات الدولة إلى العاصمة الرياض في عهد الملك سعود يرحمه الله، كان الأمير سلمان يدرك ما تعنيه هذه النقلة الكبيرة لمكانة الرياض، ولذلك هيأ السبل لتشييد المباني اللازمة لهذه الصروح الإدارية، وعندما تم انتقال السفارات إلى مدينة الرياض كان الأمير سلمان سباقا للتفاعل مع هذه النقلة النوعية لمدينة الرياض منذ أن فكرت الدولة في هذا الانتقال، حيث خطط لها حيا نموذجيا جديدا يحمل نمط البناء المعماري الأصيل النابع من بيئة هذه البلاد، حتى أصبح هذا الحي معلما بارزا من معالم مدينة الرياض، وعندما ضاقت جامعة الملك سعود بسبب كثرة الطلبة الملتحقين بها، والإقبال عليها جاءت فكرة إنشاء مدينة أكاديمية كبيرة في منطقة مهمة من مدينة الرياض، وكان الأمير سلمان هو الذي حمل هم هذا المشروع العملاق حتى رأى النور خلال بضع سنوات.
الأمير سلمان في أحد لقاءاته بالمواطنين في إمارة منطقة الرياض. ولم يقف اهتمام الأمير سلمان عند هذا الحد، بل كان له دور رائد في إنشاء المدينة الجامعية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، منذ كان هذا المشروع فكرة، حيث كان يقوم بنفسه مع بعض المسؤولين بالبحث عن الأرض المناسبة حتى وقع الاختيار على الأرض التي أقيم عليها مشروع المدينة الجامعية الضخم الذي شيد في مدخل مدينة الرياض للقادم عن طريق مطار الملك خالد الدولي، وفي مجال المشروعات الصحية كان الأمير سلمان حريصا على إقامة المستشفيات، سواء منها التابعة لوزارة الصحة أم التابعة للجهات الحكومية الأخرى، أم متبناة من قبل القطاع الخاص، وقد انتشرت المشروعات الصحية من مستشفيات عامة ومتخصصة ومستوصفات وغيرها في أنحاء مدينة الرياض.
ولم يقتصر الأمير سلمان نفسه على الاهتمام والمتابعة للأعمال الإنسانية في منطقة الرياض، أو في داخل المملكة فحسب، بل كان حريصاً على مد يد العون لكل المسلمين الذين هم بحاجة إلى دعم ومساعدة، اقتناعا ومبادرة منه شخصيا، وتحقيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي الذي نادى به الإسلام، وتتويجا لسياسية المملكة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها الباني الملك عبد العزيز يرحمه الله حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله.
الأمير سلمان في بدايات توليه مهام إمارة الرياض. عندما يذكر العمل الخيري والاجتماعي في المملكة عبر تاريخها، فإن اسم الأمير سلمان بن عبد العزيز يحل في الصدارة، كأبرز رواد المجال، من خلال دعمه اللامحدود لكل ما من شأنه ضمان استمرارية أداء الجمعيات الخيرية ووصولها إلى أكبر قاعدة من المستفيدين، سواء كانوا أيتاما أو معاقين أو باحثين عن المأوى.
وتولى الأمير سلمان رئاسة عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، فكان لهذه الرئاسة الكريمة منه أثر في منح تلك الجهات ثقلا اجتماعيا، وجعلها مراكز لتصدير العمل الخيري واحتضان جهود وأموال راغبي المساهمة فيه وداعمي أعماله.
وتتميز إدارة الأمير سلمان للأعمال الخيرية بالتزامه بنهج ثابت فيها يتمثل في تحويلها من الطابع الفردي إلى الطابع المؤسسي؛ حتى لا يكون العمل الخيري عملا محتكما إلى الاجتهادات الفردية، أو مقيدا في حركته ونشاطه بظروف الفرد القائم عليه؛ لأن العمل الخيري إذا كان كذلك كان مهددا بالتوقف، ويحرص الأمير سلمان على أن يكون العمل الخيري نشيطا دائما لا تضعف حركته، ولهذا يبادر - حفظه الله - نحو وضع العمل الخيري - أيا كان نوعه - في إطار مؤسسي ليضمن نشاطه واستمراره وعدم ارتباطه بشخص معين، وهذا ما صنعه بتأسيسه جمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري، وتأسيسه هذه الجمعية، جمعية الأمير سلمان للأعمال الخيرية.
وتتمثل أبرز مهام الجمعية في دعم الأعمال الخيرية، وكذلك الجمعيات الأخرى العاملة في الشأن نفسه في مدينة الرياض، وذلك بتقديم الخبرات لها في إدارة العمل الخيري ومتابعته، وتدريب منسوبيها ودعمها بما تحتاج إليه لتحقيق أهدافها، وهذا يعني أن هذه الجمعية لن تكون جمعية تقليدية، بل ستكون بيت الخبرة الأول في شؤون العمل الخيري، ومرجع الجمعيات الأخرى في استثمار أفكارها وخبراتها وتلقِّى الدعم والمساندة منها.
كما ستسعى جمعية الأمير سلمان للأعمال الخيرية إلى تأسيس وقف لها يقوِّي جذورها ويضمن استمرار أعمالها؛ لأن الرافد المالي هو الشرط الأول لنجاح أي عمل خيري، ولأن الأمير سلمان - يحفظه الله - يريد لهذه الجمعية وأعمالها الاستمرار دون الارتباط بأي شخص أو ظرف فقد أسس ما يحقق لها شرط استمرارها وهو الرافد المالي الذي سيوفره وقف الجمعية ويغطي مصروفاتها وأنشطتها.
وجاءت فكرة تأسيس الجمعية كتعبير عن وفاء رجال الأعمال في منطقة الرياض لأمير المنطقة ورغبتهم في تقديم شيء له بمناسبة مرور 50 عاما على توليه إمارة الرياض، ولم يكن أنفس لدى الأمير سلمان من تأسيس جمعية خيرية بهذه المناسبة يشارك في تأسيسها ودعمها الرجال الأوفياء، وبهذا يكون الأمير سلمان قد استحدث نهجا جديدا في استثمار مثل هذه المناسبات بتحويلها من مجرد حفل تكريمي ينتهي بليلته إلى عمل دائم لا ينتهي يقوم على التجارة مع الله ببذل المال لوجهه الكريم عبر جمعية معنية بشؤون العمل الخيري، وهذا التوجه من الأمير سلمان يجسد قدر انشغاله بالخير وأعماله، ورغبته الدائمة لاستثمار كل جهد فيه، فكانت هذه الجمعية المباركة التي ستخدم 25 في المائة من شعب المملكة هم سكان منطقة الرياض، ولكن ذلك لم يكن مستغربا أن ينال صاحب هذا الفكر الإنساني المهموم بالعمل الخيري جائزة الملك خالد للمشروعات الاجتماعية لعام 1430ه - 2009م؛ تقديرا لجهوده في خدمة الفئات المحتاجة من سكان المملكة، وكذلك فوزه بجائزة الأولمبياد الدولي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2009م؛ تقديرا لجهوده في خدمة ذوي الإعاقة وحسه الإنساني النبيل تجاههم.
وتبعث جهود الأمير سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - في دعم العمل الخيري رسائل ضمنية لأهل الخير وأصحاب رؤوس الأموال بتخصيص شطر من جهودهم وأموالهم للأعمال الخيرية لتصل بلادنا وهي بلاد الإنسانية والخير إلى المستوى المأمول منها في هذا المجال اللائق بمركزها الديني على مستوى العالم.
وعرف الجميع عن الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - أخلاقه الكريمة، وصفاته الحميدة، وسدادا في الرأي، وقوة في الحق، وتواضعا جما، وحرصا على نفع الناس، وقضاء حاجاتهم، ومما يدل على ذلك توجيهه - حفظه الله - بتأسيس جمعية للأعمال الخيرية بدلا من إقامة احتفالات شكلية، وبالنظر في سيرته الذاتية نجدها حافلة بالبذل والسخاء، والنفع والعطاء، وحافلة بالإنجازات العظيمة، والإسهامات الكريمة. المصدر: الاقتصادية