أجمع محللون على أن تداعيات أزمة الديون الأمريكية وخفض التصنيف الائتماني لأكبر اقتصاد في العالم ستؤثر سلباً على الاقتصاد السعودي ما لم يطرأ تغير على السياسة النقدية للمملكة. وفي ظل استثمار سعودي قوي في سندات الخزانة الأمريكية، أشار المحللون إلى أن أبرز تلك الآثار ستكون انخفاض القيمة الشرائية للريال السعودي في ظل تراجع الدولار إلى جانب ارتفاع معدل التضخم وتراجع أسعار النفط وضغوط على المالية العامة لأكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم.
وبعد خلاف مرير لعدة أشهر وافق المشرعون الجمهوريون والديمقراطيون الأسبوع الماضي على اتفاق يدعمه البيت الأبيض لرفع سقف الدين الأمريكي وتفادي التخلف عن السداد يقضي بخفض العجز 2.4 تريليون دولار على مدى عشر سنوات.
لكن أعقب ذلك فقدان الولاياتالمتحدة تصنيفها الائتماني الممتاز AAA من قبل مؤسسة التصنيف الائتماني "ستاندرد اند بورز" يوم الجمعة في تعديل غير مسبوق لوضع أكبر اقتصاد في العالم.
وخفضت المؤسسة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على المدى الطويل درجة واحدة إلى AA زائد، بسبب مخاوف بشأن العجز في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الديون.
وتصنف الآن سندات الخزانة الأمريكية التي كان ينظر إليها في الماضي على أنها الأكثر أماناً في العالم عند مستوى أقل من السندات التي تصدرها دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا.
وقال عبد الحميد العمري الكاتب الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية "ليس هناك شك في أن تأثير الأزمة لن يقل عن التأثير الذي حدث في الصين. اليوم نرى تداعيات الأزمة على الاقتصاد الصيني والثقة في قطاع الأعمال والبورصة".
وأوضح أن حجم الاستثمارات السعودية في السندات الأمريكية يصل إلى 1.8 تريليون ريال إذ يوجد انكشاف بقيمة 465 مليار دولار على سندات الخزانة في حين تبلغ قيمة ودائع المملكة لدى الولاياتالمتحدة 564 مليار ريال أو 150 مليار دولار.
وأضاف "إذا جمعنا تلك الاستثمارات ستتجاوز قيمتها 2.2 تريليون دولار ... هذا مبلغ هائل أكبر من حجم الاقتصاد السعودي ... الاقتصاد السعودي منكشف بالكامل على الأزمة الأمريكية".
وأوضح أن ذلك يشمل استثمارات الحكومة السعودية والمؤسسات شبه الحكومية والقطاع المصرفي وأن ذلك الرقم قد يرتفع كثيراً في حالة حساب استثمارات الأفراد والشركات في السندات الأمريكية.
وقال محمد العمران الكاتب الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية وهي مركز دراسات شبه رسمي "العالم مقبل على مرحلة جديدة وغير واضحة المعالم ... سندات الحكومة الأمريكية لم تعد ملاذاً آمناً".
وتوقع أن تبدأ السعودية في تنويع مكونات احتياطياتها - التي تشكل السندات الأمريكية ما بين 70 إلى 90 بالمئة منها بحسب المعلومات المتداولة - وأن تتجه خلال عامين إلى الاستثمار في سندات أخرى كسندات الحكومة الألمانية واليابانية.
ويؤيده العمري في أن السندات الأمريكية لم تعد ملاذاً آمناً، وقال "خلال الأعوام الأربعة الماضية - بالنسبة للبنك المركزي السعودي - كان الارتباط (بالاقتصاد الأمريكي) ينظر إليه على أنه أفضل الخيارات وأقلها مخاطر وأنه سيؤدي لاستقرار الاقتصاد لكنه لم يعد كذلك".
وأضاف "المفترض من السلطات النقدية أن تقوم بعمل شيء - لا أستطيع أن أحدد ما هو الأفضل - لكن يجب ألا يبقى الوضع على ما هو عليه".
وتربط السعودية عملتها بالدولار الأمريكي وهو ما يقيد الأدوات المتاحة للبنك المركزي السعودي لكبح جماح التضخم وتوقع المحللون أن يحدث ذلك ضغوطاً على الريال.
وحول إمكانية فك ربط الريال بالدولار قالت ريم أسعد أستاذة الاقتصاد في جدة "السعودية من أكبر عشر دول في العالم التي تستثمر في السندات الأمريكية ... قرار ربط الاقتصاد السعودي بالاقتصاد الأمريكي هو قرار سياسي بالدرجة الأولى".
وأضافت "كما أنه من الصعب جداً الحصول على بدائل كالتي يوفرها الاقتصاد الأمريكي سواء من حيث تطور بنية أسواق المال ... أو سهولة دخول وخروج الأموال".
وتوقع وديع كابلي أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز والخبير السابق لدى صندوق النقد الدولي أن يتسبب خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في تراجع سعر الدولار أمام العملات الأخرى وهو ما سيؤثر بدوره على سعر الريال مما سيتسبب في ارتفاع معدل التضخم.
وبلغ معدل التضخم السنوي في السعودية - الذي تحركه تكاليف السكن والغذاء في المقام الأول - 4.7 بالمئة في يونيو/حزيران.
وقال العمري "سنشهد موجة تضخم هائلة وستنتقل عدواها إلى الريال السعودي. إذا أخذت الأزمة الأمريكية منحى أكثر سرعة ممكن أن نشهد ما يعرف بالتضخم الركودي".
وتابع "هذا النوع من التضخم هو ألد أعداء البنوك المركزية إذ يكون هناك ارتفاع في الأسعار في وقت يشهد كساداً وبالتالي لا تستطيع تلك البنوك رفع أسعار الفائدة وتتلقى صدمات التضخم دون أن تستطيع أن تفعل شيئاً".
ولفت المحللون إلى أن تأثير الأزمة على أسعار النفط قد يدفع السعودية خلال الأعوام المقبلة للسحب من احتياطياتها لتمويل الإنفاق.
ووفقاً للمحللين يسهم النفط بنحو 90 بالمئة من الإيرادات الحكومية السعودية و50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
وقال كابلي "من المتوقع أن ينخفض النمو في أمريكا وأوروبا مما يقلل الطلب على النفط و يخفض أسعاره إلى 70 دولاراً وهو ما سيؤثر على ميزانية السعودية".
وانخفضت عقود الخام الأمريكي إلى أدنى مستوى لها في عشرة أشهر قرب 78 دولاراً في التعاملات الإلكترونية لبورصة نايمكس اليوم الثلاثاء مواصلة هبوط اليوم السابق الذي هوت فيه نحو ستة دولارات في ظل تنامي المخاوف من تباطؤ النشاط الاقتصادي والطلب على الطاقة في الولاياتالمتحدة.
وقال العمري "أسعار النفط تهاوت دون 80 دولاراً لكنها تجاوزت 100 دولار في بداية العام مما يعطي انطباعاً إيجابياً بأنه لن يظهر لدينا عجز هذا العام".
وأضاف أن التوقعات بأن يسجل الاقتصاد الأمريكي معدل نمو سنوي يقارب الصفر قد تؤدي إلى أن تشهد الولاياتالمتحدة موجة كساد مما سيلقي بظلاله على أسعار النفط ويهوي بها إلى نحو 50- 60 دولاراً للبرميل.
وتابع أنه مع ذلك لا يعتقد أن الحكومة السعودية ستتراجع عن المشاريع التي أعلنت عنها وعن الإنفاق السخي مضيفاً "ستضطر المالية العامة إلى السحب من الاحتياطيات لتمويل الإنفاق".
وتعتزم السعودية إنفاق ما يقدر بنحو 130 مليار دولار أو ما يعادل نحو 30 بالمئة من الناتج الاقتصادي السنوي على بناء مساكن جديدة وتوفير وظائف وإعانات بطالة وإجراءات أخرى.
وكان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف توقع في مايو/أيار أن يتجاوز الإنفاق موازنة المملكة في 2011 ما بين عشرة و15 بالمئة بسبب المشروعات الإنشائية وإجراءات توفير فرص العمل لكنه توقع أن تغطي الموارد الحالية الاحتياجات في ظل ارتفاع سعر النفط.
ويقول محللون إن سعر النفط الذي تحتاجه السعودية لضبط ميزانيتها ارتفع كثيراً ليصل إلى 80 دولاراً للبرميل على الأقل بسبب المنح الاجتماعية الأخيرة. وقال مسؤولون سعوديون إنهم يرتاحون لسعر بين 70 و80 دولاراً للبرميل. اريبيان بزنس