قال الباحث المتخصص جلال برجس في دراسة اعلامية له حول علاقة الشباب والنساء العربيين بوسائل الاتصال الحديثة ، التي قام بها لصالح (صحيفة حريات ثقافية) (http://www.huriyat.com ) أن «ثورة الاتصالات» تكاد أن تكون من أهم المكاسب التكنولوجية التي حظي بها الإنسان في هذا القرن والقرن الفائت، موضحاً أن الأشكال المتنوعة للتواصل عبر فضائها الإلكتروني، أو ما اصطلح على تسميته «العالم الافتراضي» تكون أهم مفرزاتها ، وقد صارت متاحة لنسبة كبيرة لا يستهان بها من سكان هذه الكرة الأرضية، والمجتمع العربي جزء منها، وقد رأى برجس أن وسائل الاتصال الحديثة جسرت هوة شاسعة بين أبناء المنظومة الإنسانية، بتعدد أشكال وتنوع ثقافاتها. مشيراً إلى هذا التطور الكوني اللافت، خلق حالة من الحوار، رسخت نفسها كأهم السلطات الاجتماعية، التي لم تتقاطع مع أشكال السلطات الأخرى، بل غايرتها. وقد إتكأ برجس في دراسته على نماذج اجتماعية متنوعة من حيث العمر والحنس والتحصيل العلمي والميول الثقافية والانتماءات السياسية والعوامل الجغرافية بحيث أن دراسته تلك قد غطت المجتمع العربي بشكل عام. ففي مقدمة الدراسة أشار جلال برجس إلى أن مضي سنوات على ولادة وسائل الاتصال الحديثة ، جعل الأمر يأخذ طابعا آخر مختلفاً عما كان عليه في البداية، مبيناً أن هذا عائد لطبيعة الصدمات والتحولات الكبرى، التي ما أن تتجه نحو التوازن، بعد ميزتها الأولى المرتبكة، حتى تصبح أكثر قابلية للفهم والإدراك الواعيين. ووضح أن مما لاشك فيه أن هنالك عوامل كان لها الدور الكبير في تنامي هذه الثقافة الجديدة- أي ثقافة وسائل الاتصال الحديثة- أو من جهة أخرى يمكن القول إنها مهدت الطريق نحو استيعابها، أهمها التبدلات العالمية، اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً وثقافياً. ثورة الاتصالات وعبر عنوان (ثورة الاتصالات، هوة شاسعة بين الغرْب والعَرب) رأى جلال برجس أنه رغم علاقة وسائل الاتصال الحديثة بالثورات العربية إلا أن المنطقة العربية لم ترق للآن إلى مستوى «التفاعلية الحقيقية» مع هذا المُعطى التقني المهم. ورأى أن التفاعلية الحقيقية مع هذا الشأن لا تقتصر فقط على اقتناء التكنولوجياHardware,soft ware واستخدامها فقط، لكن تمتد إلى ضرورة التوصل إلى حاجة العربي للمعرفة الحديثة، وسبل وصوله لها، خصوصاً ونحن نشهد تدفقاً هائلاً للمعلومة عبر فضاء عالم الانترنت. وبين أن العولمة بكل توجهاتها، هي التي كانت وما زالت وراء التعميم السريع لوسائل الاتصالات والإعلام لإغراض اقتصادية، مستغلة بذلك الجهد التكنولوجي الموجه في الأصل لتحقيق رغبة الإنسانية في المعرفة، متخطية بذلك الفوارق الكبيرة وأهما الهوة الشاسعة تكنولوجياً، بحيث يبرز الخلل الواضح في طرائق، وأهداف، ونتائج التعاطي مع ثورة الاتصالات الهائلة والتي تتنامى سريعاً. خلاصة وعبر تطرقه للمرأة والشباب العربيين في وسائل الاتصال الحديثة/المواقع الاجتماعية، خلص إلى أن المرأة العربية وجدت ضالتها، عبر هذا المنبر الافتراضي، مستخدمة إمكاناتها للدفاع عن قضاياها، والتعبير عن نفسها ، وقد خرقت في هذه الحالة سلطة المجتمع العربي الذكورية، فأصبح لها صوتاً يُسمع، وانجازات على أكثر من صعيد غيرت الصورة النمطية ولو جزئيا عن واقع المرأة العربية التي أثبت الحال أنها يمكن أن تكون شريكا حقيقياً في البناء الإنساني، تماماً كما هو الحال في المجتمعات الغربية الديمقراطية التي تنظر للمرأة بمنظار مختلف. بحيث صار إسهام المرأة العربية وتواجدها في فضاءات ثورة الاتصالات موازي لدور الشباب إن لم يتعداه في بعض الدول العربية. استطلاع وفي استطلاعه بغرض الدراسة، توصل إلى أن استخدام وسائل الاتصال الحديثة يأتي نتيجة لدوافع معينة، تعتبر المحرك الأساسي للجهد الذي يبذله ذلك الشخص أثناء الوقت الذي يمضيه في تلك المواقع، وبناء عليه يختلف مستوى تحقق شرط «التفاعلية» من دافع إلى آخر، بل يكاد غير موجود عند بعض المستخدمين لمفرزات ثورة الاتصالات في نتائج بعض الدوافع. فقد تصدر دافع (وقت الفراغ) قائمة الدوافع التي تقف وراء التعاطي مع تلك المواقع الاجتماعية، يليه الدافع (العاطفي) الذي يشكل سبباً واضحاً لدخول عدد كبير من مستخدمي المواقع الاجتماعية في المجتمعات العربية، تلك المواقع التي تمنح مساحات عامة وخصوصية للتواصل والحوار، تشجع على التعبير عن المكامن العاطفية المستترة في جزء كبير منها لخصوصية المجتمع العربي. ويجيء الدافع (السياسي) ثالث تلك الدوافع، وأهمها رغم تصدره المرتبة الثالثة عند ملايين من المستخدمين العرب لوسائل الاتصال الحديثة، إذ أن الخصوصية الممنوحة شجعت الكثير لاتخاذ تلك المواقع كمنابر للتعبير عن الآراء السياسية حيال كثير من القضايا. يليه الدافع ( الثقافي) الذي يُقسم إلى قسمين، أولهما الرغبة في متابعة وقراءة المستجدات على الصعيد الثقافي، حاضراً وقديماً، أما القسم الثاني فهم أولئك الكتاب والكاتبات الذين يتخذون من تلك المواقع وسائل للتعريف بأنفسهم ولترويج نتاجهم الثقافي، إذ تفوقت تلك المواقع على عوالم النشر الورقي. ويأتي الدافع (الاجتماعي) آخر تلك الدوافع وراء ارتياد المواقع الاجتماعية في المجتمعات العربية. هذا الدافع الذي كان وما يزال وراء بعض الانجازات الاجتماعية في العالم الافتراضي، حيث ابتدأت بعض الجمعيات في الوطن العربي نشاطاتها الخيرية على صفحات المواقع الاجتماعية ثم امتدت إلى ساحة التطبيق الواقعي.
نسبة كلية وفي خاتمة الدراسة رأى جلال برجس ، أن النظر إلى النسبة الكلية من مستخدمي وسائل الاتصال الحديثة عالمياً، تحيلنا إلى التساؤل حول « شرط التفاعلية» الحقيقي مع ثورة الاتصالات، ومدى تحققه في المجتمع العربي، الذي رغم انجازه على الصعيد السياسي من خلال تعاطيه مع هذه الوسيلة، إلا أنه مازال مستخدماً لها، ورغم الإرهاصات الأولى للإنتاج في هذا الشأن، إلا أننا مازلنا نلاحظ البون الشاسع بين التعاطي مع وسائل الاتصال الحديثة في الغرب كمثال، وبين التعاطي معها في المجتمع العربي ، مبيناً أن هذا بالتأكيد عائد لأسباب كثيرة، اقتصادية وسياسية وثقافية وفكرية، وشدد على أن الجهود من قبل الجهات الرسمية والأهلية والفردية يجب أن ينصب جزء منها للدفع باتجاه جيل يحقق شرط التفاعلية الحقيقية مع ثورة الاتصالات ووسائل الاتصال الحديثة، علمياً وثقافياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً. المصدر: الدستور