إبداع المحتوى، في الرسالة الإعلاميّة، لم يكن أسهل مما هو عليه الآن، فقد أحدث الانتشار الكبير للكاميرات الرقمية وكاميرات الفيديو عالية الوضوح، وإمكانيات الاتصال المستمر بالإنترنت، سلكياً ولاسلكياً، ثورة في المحتوى الرقمي الذي يوفره المستهلكون، أو بالأحرى الذين كانوا حتى سنوات قريبة مضت «مستهلكين، متلقين» فقط! كما أصبح التدوين أحد وسائل التعبير المباشر عن الذات، فالمدون يعبر عن انطباعاته، وردود أفعاله، ويمارس حريته بشكل مستقل عن أي فرد آخر، ويستطيع أن تكون له مساحته ومجاله الخاص على الإنترنت، الذي يستطيع من خلاله أن يعبر عن ما يدور بداخله من مشاعر وأحاسيس، ومن اهتمامات وأولويات. وبالتالي أصبح للمدونات، وما أتاحته من أدوات تعبير جديدة، دور فعال في المشاركة السياسية غير الرسمية لما تتمتع به من ارتفاع سقف حرية التعبير، وبالتالي تكشف عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المدونات للمواطن العربي كوسيلة إعلامية يحتاج إليها لتحقيق حرية التعبير، باعتبارها وسيلة إعلاميه شعبية بين عدد كبير من أفراد المجتمع. وأضحت المدونات اليوم، تمثل أهم وسائل العمل الإعلامي الخالي من القيود، والوسيلة الأقرب للتعبير عن الرأي أو القضية دون رقيب أو متابعات، كما أنها أصبحت تمثل جزءاً أساسياً في الحصول على المعلومات والأخبار الجادة أو الخفيفة. بالإضافة إلى أن التدوين أصبح وسيلة شعبية بين عدد كبير من الأفراد المتحمسين لهذه الوسيلة الجديدة في المنازل أو المكاتب. ورغم أهمية المدونات الكبيرة، وخطورة دورها حالياً ومستقبلاً، فإنّ الدراسات العربية التي تناولت دراستها، تعد محدودة جداً، ولم تحظ المجتمعات الخليجية بدراسات متعمقة بخصوص الظاهرة الجديدة، نضيف إلى ذلك أن المضمون السياسي للمدونات لم يحظ على مستوى الدراسات العربية بدراسات مستقلة. وانطلاقاً من هذا المبدأ، قررت مؤخراً إجراء دراسة، بصفتي أحد المتخصصين في هذا المجال، تعتمد على منهج المسح الوصفي (Descriptive Survey) وذلك لمسح عينة جمهور من المدونات الإلكترونية، كان قوامها 250 مفردة من الشباب الجامعي السعودي، حيث إنه من المتوقع أن يكونوا الأكثر تفاعلية وتأثراً بهذه المدونات ومواقعها، وللحصول على وصف دقيق للمشكلة، والتأكد من جمع البيانات الضرورية وتحليلها بأكبر درجة ممكنة من الدقة، بهدف تصنيفها وتبويبها تبويباً شاملاً، ومحاولة تحليلها وتفسيرها، واستخلاص النتائج، وبناء التعميمات التي يمكن أن تبنى عليها افتراضات جديدة. وجاءت النتائج العامة للدراسة كما كان متوقعا مسبقا وهي كالتالي: إن الجمهور يشارك بفاعلية في عملية الاتصال الجماهيري، ويستخدم وسائل الاتصال لتحقيق أهداف مقصودة، تلبي توقعاته، وهو ما أثبتته النتائج بارتفاع نسبة التفضيل للمدونات السعودية، تلتها المدونات التابعة للدول العربية الأخرى، مما يتسق مع ارتفاع درجة الاهتمام بما يتعلق بمن يشترك في وحدة المصير، أو من يؤثر عليه بقوة. إن استخدام المدونات كمضمون اتصالي أو إعلامي، أقرت النسبة الأكبر من المفردات من العينة، بصلاحيته وبإضافة ارتفاع نسبة الإناث عن الذكور في هذا المحك يتبين أن الفروق الفردية، وتنوع الحاجات باختلاف الأفراد مسألة صحيحة. إن الجمهور هو الذي يختار الرسائل والمضمون الذي يشبع حاجته، فالأفراد هم الذين يستخدمون وسائل الاتصال، وليست وسائل الاتصال هي التي تستخدم الأفراد، أي أن الجمهور المتلقي هو صاحب المبادرة في التعرض. إن أفراد الجمهور يستطيعون دائما تحديد حاجاتهم ودوافعهم (النفسية والاجتماعية) وبالتالي يختارون الوسائل التي تشبع الحاجات. إن على رأس الإشباعات، معرفة المعلومات، ثم تلاها سلوك النصح للآخرين، وتأتي بعد ذلك لتحسين المكانة، ثم التسلية، وجميعها تكمن وراءها دوافع نفسية واجتماعية كما يتضح. إنّ رغبات الجمهور المتلقي للرسائل الإعلامية، متعددة، والإعلام لا يلبي إلا بعضا منها، فقد ثبتت صحته، حيث أبرزت نسبة معتبرة من المفردات عدم رغبتهم في استخدام المضمون السياسي بالمدونات، على الرغم من إقبالهم على استخدام المدونات في إطار مضامين أخرى. إن المدونات وفرت، وبشكل غير معتاد، مساحة من الحرية للمرأة، للتعبير عن مختلف الهموم التي تعاني منها حيث تعددت الأعمال الشعرية والكتابات التي تنم عن نزعة للتحرر من مختلف القيود التي تعاني منها المرأة وفي مجتمع يتهم دائماً بالتحيز ضد المرأة، وأن السبب الرئيسي لذلك هو رغبتهن في البوح أو (الفضفضة) لتجاهل المجتمع والأسرة لهن وما يعانينه. إذاً محاولة الكشف عن معدل الاستخدام والاعتماد على تلك الأشكال، والدوافع الحقيقية وراء استخدام هذا النمط؟ وفيم يستخدم؟ وما هي الإشباعات المتحققة من ذلك الاستخدام؟ ومعرفة أسباب نجاح هذا النوع من الأدوات؟ رغم وجود وسائل إعلام أخرى يمكن أن توفر التفاعلية لمضمونها؟ وكذلك الوقوف على الأسباب والدوافع التي جعلت الشباب يقبل على متابعة المدونات؟ والوقوف على دور مواقع المدونات في تحقيق حرية التعبير. إنّه مطلب ضروري يجب الالتفات إليه ودراسته بشكل أعمق.