البلاء نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان ففي الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له). رواه مسلم. فكل شيء يصبح سهلاً ويسيراً بالصبر واحتساب الأجر والثواب من الله عز وجل ، مرضك الذي تتألم منه ، وهمك الذي أتعبك وأشغل بالك ، وأشياؤك وحاجتك التي تفتقدها ، وأحلامك التي لم تتحق لك ؛ سيأتي بها الله ويحققها لك ، فأنت في صبرك مأجور ، وفي حسن ظنك بربك وخالقك مأجور ، وفي ما أصابك من مرض وتعب مأجور ، وإذا واجهك بلاء أو مشكلة في حياتك فتذكر أنها مقدرة من الله تعالى عليك ، وأنها ستكون سبباً في مغفرة سيئاتك إذا صبرت ، وأنها مؤقتة وليست دائمة ، وأن الله سيعوضك بخير منها في المستقبل أو الأخرة ، قال ابن الجوزي رحمه الله: (رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد عن الحد ، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت ، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم ، والكبير إلا الهرم ، والموجود سوى العدم ، ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار ، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار ، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن للمؤمن حظ منها). فأشد الناس بلاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). فصبر على المرض والبلاء أكثر من خمسة عشر عاماً واستجاب الله دعاؤه وعوضه ضعف ماله وأهله وولده. وليس في ابتلاء المؤمن التقي علامة على سخط وغضب الله عليه ، بل تطهير له حتى تعلو درجته ، وتزكو وتسمو روحه ، وفي قصص الأنبياء والرسل من البلاء ما يسلي المؤمنين في ابتلاءاتهم. والأمراض والأوبئة والبلاء مهما طالت ستزول بإذن الله تعالى ، قال ابن القيم رحمه الله: (مهما طال البلاء فسوف يزول ، جعل الله الشدائد والآلام والشرور في هذه الدنيا بتراء لا دوام لها). وانتظار الفرج عبادة ، ومما يدفع الله به البلاء والأوبئة والأمراض والعين والحسد الصدقة والإحسان قال ابن القيم في بدائع الفوائد ( للصدقة والإحسان تأثير عجيب في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد ، ولو لم يكن في هذه إلا تجارب الأمم قديمآ وحديثاً لكفى به ، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شئ من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد ، وكانت له فيه العاقبة الحميدة ؛ فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته ؛ عليه من الله جنة واقية ، وحصن حصين). فالشدائد والبلايا مهما بلغت وتعاظمت لا تدوم ، ورحمة الله أعظم ، وفرجه أقرب ، فلا تيأس ولا تحزن ولا تقلق وقل يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ، وثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله. فلولا البلاء ومصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس ، قال ابن القيم في زاد المعاد عند كلامه عن علاج حر المصيبة وحزنها: (أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعاً قصص الشكوى إليه). وقال رحمه الله: (والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الأخرة وهو رؤيته وقربه). والمؤمن يتقلب بين مقام الشكر على النعماء ، والصبر على البلاء ؛ فمن نظر لأجر وثواب البلاء هان عليه البلاء فأسألوا الله العافية في الدنيا والأخرة واشكروا الله على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى وأبشروا وأملوا وظنوا بالله خيراً ، وتفاءلوا بالخير تجدوه ، وثقوا أن الخير آت مهما طال انتظاره ، فليس بعد العسر إلا اليسر ، ولا بعد الضيق إلا السعة ، ولا بعد الشدة إلا الفرج ، وليس بعد الظلام إلا النور ، وأقرب ما يكون النور إذا اشتدت الظلمة ، وهذا الوباء والبلاء سيزول بحول الله وقوته ونرجو من الله أن يكون قريباً ، فسلموا وفوضوا أمركم لله ، وابتسموا ، واطمئنوا ، فأنتم ترجون رباً كريماً ، قريباً مجيباً. اللهم إن هذا المرض جند من جنودك ، اللهم اصرفه عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين واحفظنا بحفظك وأنت خير الحافظين ، اللهم ارفع عنا البلاء وادفع عن الوباء والربا والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن وانزل رحمتك ولطفك على العباد يا رب العالمين ، اللهم اجعلنا من أصحاب الحمد عند العطاء، ومن أصحاب الصبر والاحتساب عند البلاء يا رب العالمين.