نحنُ العرب - خاصَّةً الخليجيين- نفتقد إلى ثقافة المأكل والمشرب ، على المستوى الشخصي ، أو الاجتماعي. قال تعالى :( ولا تُسرِفوا...) ورسوله الكريم أكَّد لنا ، أنَّ المعدة بيتُ الدَّاء ، والحِمية رأس كُل دواء. وقوله عليه السلام :( حسب ابن آدم لُقيمات يقمن صُلبه). كثرةُ الأكل خرابٌ للبطون ، ومفسدة للجسد وقسوة للقلب ، فزيادةُ الأكل تُؤدِّي إلى قسوة القلب ، والبطًُن الجائِعة ليس لها آذان ولا عقل ، فاحكم سلطان عقلك على سلطان شهوتك. إنها الشهوات التي أشغلت القلوب ، قال أبو سُليمان الداراني - رحمهُ الله-:( لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يُشغله عن الآخرة).. وقال أيضاً :( من صدق في ترْك شهوة ، أذهبها اللهُ من قلبه ، واللهُ أكرم مِنْ أنْ يُعذِّب قلباً بشهوةً تُرِكَتْ لهُ). الأكل نصفهُ يقيت ، ونصفهُ يميت ، وهذا دليل على الحكمة في تقليل الأكل ، والبُعد عن تراكم الطَّعام والأكل في غيرِ جوع ، فإنَّ الشبع يعمي ، ويُثقل البدن ، ويُزيل الفِطنة ، ويجلب النوم، ويُضعِف صاحبهُ عن العبادة. الاتِّزان في الأكل والشرب يُطيل العُمر ، والإسراف فيها يُقَصِّره ، وذاك رغد العيش ، فاحرص على أنْ لا يخدعك بالشهوة ، وكُن من المُقسطين. قال أبو العتاهية :( ولرُبَّ شهوة ساعة .. قد أورثَتْ حُزْناً طويلاً). فُرِضَ الصوم عِبادةً لله ، فاللهُ غنيٌّ عن عبادته ، ولولا أنَّ فيه من الفضائل للمُسلم ، لما فُرِض عليه ، فمفتاح الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع. قال الشافعي:( ما شبعت منذُ ست عشرة سنة...). اليوم في ظل السُّمنة المُفرِطة لدى الكثير من الرجال والنساء ، سببها رغد العيش ، وضُعف الثقافة الصحيَّة ، وسوء التغذية بالزيادةِ والنقصان. العالم المتطوِّر لديهم ثقافات غذائية وصحيَّة منذ أمد ، ونحنُ أولى منهم فيها ؛ لأن الإسلام أرشدنا إليها منذ عهد النبوة. علينا أنْ نحتزِم بالحِجارة ، كما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنْ لا نأكل حتَّى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع ، وأنْ نُحسن اختيار وجباتنا . مقدمات بطون تجاوزت خط المُشاة ، ومؤخرات ظهور خارج الطابور ، وكلاهُما من السُّمنة المُفرِطة ، وكلاهُما يؤديان إلى قُصر العمر ، فكُن بين المُنقبض والمُنبسِط. الأجيال القادمة يجب أنْ تتربَّى على الوسطية في المطعم والمشرب ، وأنْ نعمل على ذلك من الآن ، باستمرارية الثقافة الصحيَّة ، والابتعاد عن بعض العادات والتقاليد القَبَلِيَّة ، من المناسبات اللا صحيَّة . ثقافة الجماعة لا تكون إلا من ثقافة الفرد ، وعلينا مُجتمعين أنْ نُغيِّر من طباعنا ، وأنْ نُقلِّص من موائدنا ، وأنْ نُحافظ على اللياقة الجسدية ، بعيداً عن الإسراف غير المُبرَّر.