رمضان شهر الخير والعبادة يعد فرصة للتغيير للأحسن ولمحاربة آفات المجتمع الكثيرة التي تفتك بصحة الناس ولا تظهر آثارها إلا بعد فوات الأوان بعد أيام قليلة سيزورنا ضيف كريم هو رمضان شهر العبادة وفعل الخير ومساعدة المحتاجين، لكن للأسف حوّله أكثرنا من شهر نشاط وتوفير إلى شهر كسل وتبذير، وتدل الإحصاءات على أننا نستهلك في رمضان أضعاف ما نستهلكه في أي شهر آخر من شهور السنة ورأيت ذلك حين كنت على رأس العمل كان القائمون على إعاشة العزاب يوفرون في شهري رجب وشعبان ليقايضوه بمزيد من المعجنات والحلويات واللحوم في شهر رمضان، وشاهدته وأنا أمشي بعد صلاة التراويح حيث أرى كميات كثيرة من بقايا الطعام يخرجها الخدم والسائقون في أكياس ويلقون بها في الحاويات دون أن يلحظ ذلك صاحب البيت المشغول في متابعة المسلسلات التي تملأ الشاشات، أو الذي يستعد للسهر مع زملائه في الاستراحة حتى قرب موعد السحور. لله حكمة بالغة في تتابع الأيام والشهور وفي اختلاف فصول العام، ورمضان فرصة نادرة للتغيير نحو الأحسن، فهو شهر العبادة والتقرب إلى الله، لكن العبادة لا تقتصر على الصلاة والصيام وقراءة القرآن، بل كل عمل نافع يزيد الإنسان قوة ويسهم في عمارة الأرض وإسعاد الآخرين، شهر رمضان فرصة يجب أن تستثمر للتغيير للأحسن في كل نواحي الحياة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: - يقول تعالى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين" الإسراف معصية لا يحبها الله ولا يحب فاعلها، ويعاني ما لا يقل عن30% من أفراد المجتمع من داء السمنة الذي أصبح داء العصر، وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية على السمنة داء السمنة لأنها حاضنة للكثير من الأمراض التي لها نتائج وخيمة على صحة الإنسان كداء السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين وآلام العمود الفقري والركب وأمراض أخرى كثيرة مصاحبة، ورغم أن شهر رمضان يعد فرصة نادرة لتخفيف الوزن واستعادة اللياقة إلا أن ما يحدث هو العكس تماماً بسبب ما يقدم من وجبات مسببة للسمنة وخاصة الكربوهيدرات والسكريات واللحوم، وبسبب الكسل وقلة الحركة، وهناك حقيقة يغفل عنها الكثير من الناس وهي أن من يستمر في الأكل لا يشعر بالشبع إلا بعد دقائق من توقفه عن الأكل، وهذا هو ما يفسر شعورنا بالتخمة بعد الانتهاء من الأكل بدقائق. - هناك آفة أخرى يعاني منها المجتمع وهي عادة التدخين التي تفتك بصحة واقتصاد البلد، وقد بينت الدراسات أن التدخين يزداد بين الشباب بسبب نقص الوعي وقلة المتابعة من الوالدين وتأثير الأصدقاء، ويعد رمضان فرصة نادرة لترك التدخين قلما يستفيد منها المدخن، أتذكر جيداً حين أخذت صديقي المدخن إلى صديق آخر أقلع عن التدخين بعد أن أجرى عملية جراحية كبيرة للقلب المفتوح، وحين رأى المدخن النتائج وآثار العملية المؤلمة قال لي: سوف أترك التدخين في أول يوم من رمضان، ومضى رمضان ولم يتركه بسبب ضعف الإراده ولظنه أن التدخين مصدر سعادة لا تطيب الحياة إلا به، مع أنه لو عزم وتوكل على الله واقتنع بمضاره الكثيرة لتركه كغيره ممن استطاعوا تركه للأبد. رمضان فرصة ليس لترك التدخين فقط ولكن لتحذير من لم يدخن من الشباب بعدم التدخين وعلى الآباء أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم بترك التدخين وعدم ممارسة هذه العادة المميتة أمامهم. - هناك عادات حميدة كثيرة يمكن أن نكتسبها في رمضان ونعلمها لأبنائنا كصلة الرحم والبذل وعادة القراءة والرياضة والابتسام في وجوه الآخرين، وعدم رفع الصوت أواحتقار من نتعامل معهم من خدم ونحوهم، وقد ثبت علمياً أن كل عادة تحتاج لحوالي عشرين يوماً من التكرار لتأصيلها حتى تصبح سلوكاً يمارسه الإنسان دون تفكير، وفي الدول المتقدمة يصرّ الوالدان على سماع الكلمات الجميلة من أبنائهم كدليل شكر وعرفان لما يقدمه الآخرون لهم من خدمات، ونحن كمسلمين أولى بالحرص على فعل كل جميل نؤجر عليه. - في رمضان يكثر الزحام ليلاً في الشوارع والأسواق، وتكثر الحوادث وتمتلئ غرف الإسعاف في المستشفيات بالمصابين، والسبب هو الفراغ الذي يجعل الأسواق والمقاهي والاستراحات هي المتنفس الوحيد للكثير من الأسر والشباب، كما تكثر المخالفات المرورية المميتة كقطع الإشارة والسرعة خاصة قبل الإفطار والتعدي على حقوق الآخرين وعدم مراعاة حقوق المشاة وكأن رمضان هو امتناع عن الأكل والشرب فقط. - في رمضان تتدنى الانتاجية في القطاعين العام والخاص ومن أهم أسبابها السهر وتأخير وقت الدوام حتى العاشرة صباحاً مع أن نشاط الصائم يقل مع الجوع والعطش لذا يستحسن أن يكون الدوام باكراً وخاصة في فصل الصيف كما هو في الشركات الناجحة مثل أرامكو. رمضان شهر الخير والعبادة يعد فرصة للتغيير للأحسن ولمحاربة آفات المجتمع الكثيرة التي تفتك بصحة الناس ولا تظهر آثارها إلا بعد فوات الأوان، ومن الواجب أن تقوم وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام ببث رسائل في رمضان وغيره عبر محطات التلفزيون وفي أوقات مناسبة للتحذير من السمنة والتدخين وحوادث السيارات مما سيخفف العبء الكبير على الوزارة فيما بعد، وقد فرض الله هذا الشهر الفضيل لمزيد من التكافل والتآزر وإطعام الفقير خاصة بعد أن يشعر الصائم بقسوة الجوع وتأثيره وليس للمزيد من الأكل والتبذير وضياع الوقت.