جائحة كورونا المستجد التي ضربت أرجاء المعمورة ستنجلي عاجلاً أم آجلاً، زوال الوباء وعودة الحياة إلى مجاريها حقيقة حتمية لا مفر منها. هذا الوباء ليس الأول ولن يكون الأخير؛ لقد عايشت الشعوب أوبئة عديدة على مر الأزمنة ثم اندثرت كأن لم تكن، ورممت كل البلاد أنحاءها، بل وازدهرت حتىوصلت الى ما هي عليه اليوم. حسناً عزيزي القارىء .. متفقٌ عليه انجلاء الغمة واندثار ذكراها مع مرور الأيام، لذلك لا ينبغي أن يكون هذا ما يشغل تفكيرك الآن، سيترك هذا الوباء أمور شتى ستُخَلد في الذاكرة يكتبها المؤرخون في دفاتر التاريخ المختلفة يتوارثها الأجيال فيما بعد. سيكتب عن انتقال القوة والتأثير من الغرب الى الشرق وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي أثبتت جدارتها في ادارة الأزمات والتصدي المبكر لأي جائحة وسيقوي مفهوم الوطنية ويعزز القومية وقبضة الحكومة التي بذلت الغالي والنفيس لطمأنة العامة والحفاظ على مواطنيها ومقيميها على حدٍ سواء، ضاربة بذلك أسمى أيات العدالة المجتمعية الغير مستغربة عليها، سيكتب التاريخ عن أزمة كورونا التي أسقطت العديد من الأقنعة وكشفت أرباب الكراهية الذين يتغنون بالإنسانية قولاً لم يُثبت بالأفعال حتى في أوج الأزمة التي ضربت شتى أنحاء المعمورة. وبعيداً عن الخسائر البشرية والأبعاد السياسية والخسائر الاقتصادية التي سيخلفها فايروس كورونا المستجد المسمى بِ (كوفيد 19)، والتي لها مختصون يتناولونها بالشرح والتحليل والتوقع؛ هناك وجه حميد لهذا الوباء وهو ما أود التطرق اليه في الأسطر القادمة. لقد كنا نعلم جمعياً أن الوقاية خير من العلاج ولكن الآن، وفي ظل الأوضاع الصحية العالمية التي عايشناها اصبحنا نعتقد هذه المقولة، وأظننا مع انتهاء هذهالأزمة سوف نكون أكثر وعياً والتزاماً بضرورة الحفاظ على نظافة أيدينا وتعقيمها بشكل مستمر، وتجنب المخالطة القريبة لأشخاص لا تربطنا بهم صلة، حيثأن المواظبة على فعل ذات الأمر مراراً وتكراراً؛ يُكَوِن لدى الإنسان عادة تستمرُ معه فترات طويلة. تعيش المنازل أزهى أيامها هذه الفترة؛ أجبرتنا الأزمة على التواجد في منازلنا بجانب عائلاتنا، نتشارك معهم وجبات الطعام ونتبادل أطراف الأحاديث، وكأنناعائدون من سفر طويل، لطالما كانت المشاغل تحظى بالأولوية لدينا، غافلين متغافلين، يمر بنا الوقت؛ فيقطعنا بعيداً عن لحظات عائلية قد لا نحظى بها مرةًاخرى. وعلى الصعيد العملي العام فإن هذا الفايروس قد أحدث طفرة فكرية في العديد من منظومات وقطاعات العمل الحكومية والخاصة، أجبرها على الخروج منالصندوق والتفكير السريع في إيجاد الحلول العملية المهنية لممارسة الأعمال المختلفة وضمان استمراريتها عن بعد والتغلب على فكرة إتمام المعاملات الورقية التقليدية واستبدالها بالتكنولوجيا الالكترونية الحديثة والتي كانت موجودة بالفعل ولكن على نطاق ضيق، وأظن ان هذا الخيار لم يكن مطروحاً أبداً لولا هذهالأزمة المستجدة . لقد أصبح المدراء والرؤساء في القطاعات المختلفة يستخدمون الإنتاجية كمقياس لأداء موظفيهم. فايروس كورونا الخبيث اختصر علينا الكثير من الوقت وأثبت واقعياً أن هناك وجه حميد إيجابي مخبأ بين طياته يراهُ القاصي والدانِ؛ فقط إن أراد ذلك. عزيزي القارىء .. هذا الوقت السيء سيمر، ابحث عن نفسك قبل انتهائه، تَعَقَلْ واكتسب أكبر قدر ممكن من العادات الإيجابية التي تجعل منك انساناً أكثرنضجاً بعد انفراج الغمة، ثم إياك وأن تخرج كما كنت.