د/سلمان حماد الغريبي لما كُل هذا الهياط يا أيها الإنسان…؟! فنحنُ جميعاً في الحد سواء عند رب الأرباب وليس بيننا وبينه حجاب…! فأنا وأنتَ وهي لآدم وحواء وكلاهما من تراب…! فكلنا مسلمون موحدون والله يُميز الخبيث منا من الطيب…! والتقوى مقياسنا يوم يكون الحساب…! فارجع لربك تائباً بلا هياط بالتفاخر بالأحساب والأنساب…! ◇فلنعلم جميعاً أن الهياط والتفاخر بالأحساب والأنساب من بقايا الجاهلية؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه العزيز في سورة الحجرات:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }صدق الله العظيم… فالهياط في الاحساب والأنساب عُنصرية نتنة لا مكان لها في الإسلام فكم هدمت أُمم ومجتمعات وأوطان ومزقت شعوب وغيرت أديان… فخيارنا ومشكلتنا ليست في انسابنا او اشكالنا ولا في كثرة عزوتنا بل في فهم معنى التقوى التي حثنا عليه رب العزة والجلال في كتابه الكريم… التقوى التي يجب أن تملئ قلوبنا وتقربنا من الله اكثر واكثر وتعزز فينا الوازع الديني بالبعد عن كل مايعكر علينا ديننا وصفو حياتنا وتأكيداً لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم(لافرق بين عربي وأعجمي إلا بالقوى)… فالهياط كما اسلفت سابقاً آفةٌ نتنة بكل صوره واشكاله كالغنى والتعالي والتفاخر بالأحساب والأنساب ومدمرة للبشر والمجتمع على كافة طوائفه… ولابد لنا أن نركز على حسن ومكارم اخلاقنا وحسن جوارنا بغض النظر من أين انت ومن أين أنا…؟! أوصى حكيم ابنه :”أي بني ، لا تدعي ماليس فيك فإنك اما انت تكون كاذبا فتذهب هيبتك ، او تكون مُبالِغا فلا يصدقك الناس” وجاء جاء رجلا الى ملك الروم وقال له الملك من انت..؟ قال: انا رجل ابني الدار واعز الجار واحمي الذمار وأزاحم الجبال وأنازل الرجال قليل المال عزيز العيال ملكي عقلي وعدوي قلبي ، فقال الملك لولا انك رجل من العرب لقلت انك نبي من السماء ولكنكم معاشر العرب قوم تُفخمون…! ومن نظر إلى الناس بكبرياء وهياط وبقلبٍ مليء بالاحتقار، وحتى بعدها لو عاملهم معاملة حسنة في الظاهر؛ فإن الله لايرضى عنه ولا يزكيه، ولا يبارك له فيما أعطاه في الناس بهذه الطريقة المهايطية المليئة بالكبرياء والنفاق والرياء، ومن صحب الناس وعاملهم معاملة حسنة سليم القلب نقي السريرة ولو كان من أوضع الناس منزلة فإن الله يورثه ويعطيه مالم يُعطيه لغيره من المحبة والإحترام والتقدير ما لم يخطر له على بال؛ ولذلك تجد أكثر الناس لا يُعرف بيته، ولا تعرف قبيلته، ولا جماعته، ولا يعرف حسبه ونسبه، ولكن ما إن يدخل على إخوانه وأصحابه وزملائه وعلى عامة الناس؛ إلا وجدت المحبة والتقدير والأنس به والرضا به، شيءٌ لا يملكه وإنما هو من الله عز وجل. وتجد الآخر الذي يتعالى على الناس ويفتخر ويهايط بنسبه وحسبه على الناس مع أنه معروف البيت ومعروف المكانة؛ نسأل الله السلامة والعافية! تجدهُ تمله النفوس وتكرهه القلوب، ولا يرتاح أحدٌ لمجالسته والبقاء او السفر معه ومرافقته ، وإن جامله في الظاهر، فإنه لا يرتاح له في الباطن من سوء تصرفاته وهياطه… فالإنسان العاقل المتزن ينبغي أن يعلم أنه مهما أخفي سريرة إلا ويظهرها الله، فمن أخفى احتقار الناس رماه الله بنفس ما أخفاه بالاحتقار في قلوب الناس، فكما أنه يحتقر أناساً في الغيبة، وإن جامله الناس في الظاهر، ولكنهم يحتقرونه في كل الظروف، وليجرب ذلك الإنسان وسيجد؛ لأن الله عدل ولا تخفى عليه خافية، ويجزي الإنسان بما في قلبه طيب وحب ، فمن أسر سريرة الخير زكى الله له العلانية، ومن أسر سريرة الشر ابتلاه الله في علانيته وهكذا دواليك…! الحسب والنسب لا يغني الإنسان عند الله شيئاً، إلا أن الإنسان الذي رزقه الله عز وجل حسباً مثل أن يكون من بيت معروف بالصلاح ومعروف بالعلم، أو من بيت معروف بالإمارة والوجاهة، وحافظ على هذه السمعة الطيبة آباء كرام من بيت عز وشرف وسمعة طيبة فحافظ على هذا المجد وسار على سيرة آبائه الطيبين، فأكرم الناس واحترمهم وقدرهم، واتخذ من هذا الحسب الطيب الكريم وسيلة لتربية أبنائه والمحافظة على كرامته ومجتمعه ؛ لأن لهم عند الناس من المحبة والتقدير الشيء الكبير ؛ ولأن آباءهم قد بنوا مجداً بالطيب والمحبة بلا هياط وكذب ونفاق فلا يهدمونه برعونة تصرفاتهم وهياطهم والتعالي على الناس بحسبه ونسبه ، وأخذ من هذه المعاني ما يعين على التواضع، والحرص على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، فهذه نعمة من الله عز وجل اكرم بها وأعز بني الإنسان الذي يقول ها أنا ذا وليس كان أبي ودون النظر لحسبه ونسبه… وأخيراً: للأسف الشديد كثرت في الأونة الأخيرة الفتن والنعرات للتفرقة بيننا وتفريق شملنا من هذا الباب فهناك من يدع نسب غير نسبه للتعالي به على الناس وهناك من يُشكك في احساب وانساب الغير دون علم او روية او دراية او شواهد ثابتة للنقص بهم امام الجميع وهذا لايجوز ولايرضاه الله رب العزة والجلال… ولكن…ليعلم الجميع دون إستثناء: أننا جميعاً مخلوقين من ترابٍ وعائدين إلى تراب… فأتركوا عنكم الهياط والتعالي على الناس بالأحساب والأنساب واتقوا الله في تصرفاتكم من افعالٍ وأقوال وتفاخروا بدينكم الذي هو عصمة امركم وبأخلاق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم…فالرب واحد والاصل واحد ولافرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى كما ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم ويتيقن أنه من يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب ويورثه عزة وكرامة ومحبة خلقه وتعظم مكانته وتجل منزلته عند الله وخلقه.