أدى المصلون صلاة الجمعة في جنبات المسجد الحرام وسط منظومة متكاملة من الخدمات والترتيبات التي أعدتها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لاستقبال المصلين والعمّار وتوفير كافة الخدمات لهم كي يؤدوا عبادتهم ونسكهم بكل يسر وخشوع وذلك بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية والأهلية المعنية وفق تطلعات ولاة الأمر حفظهم وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وسمو ولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع – حفظهم الله –. وشهدت أروقة وساحات المسجد الحرام تضافر جهود جميع الإدارات الخدمية والتوجيهية والفنية والاستفادة من التوسعة السعودية الثالثة للمطاف سعياً من الرئاسة لتقديم أرقى الخدمات لقاصدي البيت العتيق حتى يؤدوا عبادتهم في يسر وسهولة وأجواء روحانية إيمانية. ومنذ الساعات الأولى شهد المسجد الحرام وساحاته وممراته وأدواره المتعددة وجنبات التوسعة السعودية الثالثة حشود المصلين الذين قدموا من كل حدب وصوب لأداء الصلاة والطواف وقراءة القرآن والذكر. وكثفت كافة الإدارات التوجيهية والخدمية والفنية جهودها لاستقبال قاصدي البيت العتيق ومتابعة تدفق الحشود والتأكد من انسيابية الحركة والأمن والسلامة، والدخول من الأبواب المخصصة مراعاةً للزحام، وتوجيههم للأبواب والمساحات الأقل كثافة، وتوفير المصاحف بلغات متعددة لقراءة القرآن ، والتأكد من عمل مكبرات الصوت ومراوح التهوية والمكيفات، وتوزيع أجهزة الترجمة الفورية لخطب الجمعة الخاصة بمشروع خادم الحرمين الشريفين لترجمة الخطب بالمسجد الحرام. كما استفاد قاصدو بيت الله العتيق من الشاشات الإلكترونية المنتشرة حول المسجد الحرام وفي ساحاته ومداخله وما تبثه من عبارات توجيهية وإرشادية ومواعظ مفيدة، وتهيئة المصلَّيات النسائية والتأكد من جاهزيتها وتوجيه المصلِّيات إليها. وقد استهل فضيلة الشيخ الدكتورسعود بن ابراهيم الشريم وقد استهل فضيلته خطبته بحمد لله والثناء عليه وقال فضيلته: أتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأيام قلب والزمن يمر مر السحاب وما مضى منه فات والمستقبل غيب وليس لنا إلا الساعة التي نحن فيها فالبدار البدار لله بالتقوى والاستمساك بالعروة الوثقى ( فمن اتبع هداي خلا يصل ولا يشقى ) . أيها المسلمون حجاج بيت الله الحرام، مشهد يتكرر كل عام بصورة فريدة تعاقبت عليه الأجيال قروناً عديدة و أزخته تلبية وطواف وسعي ورمي ووقوف ومبيت وعرضات قصرها أشياء ورسل وخلفاء وملوك ورؤساء وعلماء وخلق من الناس لا يحصى عددهم إلا الله ; كلهم يفيدون إليه مشربين إلى ما عند الله من فقل استجابه لنداء إبراهيم الخليل لما أمره ربه ((وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)) . وأردف فضيلته إن مكة وبكة والبيت الحرام الذي أسس للعبادة والتوحيد والطاعة (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ) لقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا , لقد صدق( فيه آيات بينات ) نعم إنها آيات بينات لا يمحوها طول الزمن ولا تقادم العهود , آيات بينات شاهدة بفضله وقداسته وشموخه الذي يطاول الزمان فيه مقام إبراهيم الذي رفع منه القواعد يناوله ولده اسماعيل عليهما السلام ( واذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) مقامه الذي به موطنه رطباً حافياً غير ناعل شاهداً على الهمة والإخلاص والصدق في الاستجابة لأمر ربه , فيه آيات بينات بارزة في السعي بين الصفا والمروة ليستشعر الناس ما بذلته هذه الاسرة الصغيرة المكونة من أم وطفلها في واد غير ذي زرع يودعها فيه زوجها فتقول له ( آ الله أمرك بهذا فيقول نعم فتقول إذن لا يضيعنا , انه السعي شعار القوة والبذل والتوكل انه الاعتماد على الله والتوكل عليه الذي غمر قلب هاجر عليها السلام ليكرمها الله بزمزم يفيض بين رجلي ولدها الرضيع انه الزمزم الماء المبارك إنه طعام طعم وشفاء سقم إنه الزمزم الذي لا يغيض ولا ينضب الماء المعجزة الذي أدهش العلماء والخبراء إنه الماء الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم " ماء زمزم لما شرب له ". نعم حجاج بيت الله إنه البيت الحرام الذي فيه آيات بينات , إنها آية … التي وهبها الله بيته العتيق بركة في الأمن وبركة في العيش وبركة في الطعام والشراب. فقد جاء عند البخاري وغيره أن إبراهيم عليه السلام لما جاء إلى زوج إسماعيل عليه السلام سألها ما طعامكم قالت اللحم , قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في الماء واللحم , قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه " أي لا يخلو أحد فيقتصر على الماء واللحم غير مكة إلا اشتكى بطنه . وأضاف فضيلته حجاج بيت الله الحرام إن مكة التي حرمها الله شاهدة على تلكم الآيات البينات يستلهم المؤمنون منها عظمة خالقهم جل شأنه وقداسته هذا البيت العتيق الذي أودعه الله آيات بينات ليعتبر أولى الأبصار , إنها آيات في المسجد وآيات في المشاعر والعرصات يتقبل الحاج إلى البيت ليكون أول ما يبدأ به الطواف ويكون أول ما يبدأ به من الطواف الحجر الأسود الذي جعله الله من آياته البينات في بيته الحرام أنه الحجر الذي قال عنه النبي العام ( إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً ) رواه أحمد إنه لأية شاهدة على نبي كريم نبي الحكمة والصدق والأمانة صلوات الله وسلامه عليه نبي يجمع ولا يفرق يرحم ولا يقسو يصلح ولا يفسد , فإن القبائل من قريش لما اجتمعت لبناء الكعبة وأخذت كل قبيلة تجمع على حدة فبنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاقتصر فيه كل قبيلة تريد شرف رفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحالفوا وأعدوا للقتال فقال أحد حكماء قريش : اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا فكان أول داخل عليهم رسول الله لها فلما أخبروه الخبر قال : هلم إلى ثوباً فأني به فأخذ الركن فوضعه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم رفعوه جميعاً حتى بلغوا به موضعه فوضعه هو لها ) بيده ثم بنى عليه . إنه لآية بينة يمر طيفها على كل من شاهد الحجر أو استلمه أو قبله آية نبي الرحمة البشير النذير والسراج المنير صلوات الله وسلامه عليه الذي قال وهو الصادق المصدوق ((نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم)) رواه الترمذي. قال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثر في الحجر الصلب فتأثيرها في القلب أشد. قال الحافظ ابن حجر: واعترض بعض الملحدين على هذا الحديث فقال: كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: أ- الله أجرى العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض. ولا تعني هذه الآية البينة حجاج بيت الله الحرام 1-هذا الحجر له بركة خاصة أو أنه يضر أو ينفع، كما أنه لا يعني أن يقتتل الناس على تقبيله واستلامه فقد قال الفاروق رضي الله عنه ((إني لأعلم أنك حجر لا يضر ولا ينفع ولو لا أني رأيت رسول الله يقبلك ماقبلتك)) متفق عليه لذلك قال رسول الله للفاروق رضي الله عنه ((إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف إن وجدت فرجة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر))رواه أحمد. (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً:الحمد لله على إحسانه والشكر على توفيقه وامتنانه وبعد ; فيا حجاج بيت الله الحرام لقد حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً، هذه مكة أم القرى والبلد الأمين، جعل الله فيها هذا النسك جامعاً فيه حرمة الزمان وحرمة المكان وفي الحرمتين قوام الأمن المعزز السكينة والتواضع والتراحم، فزمن النسك وعرصاته يلفظان أي شعار غير شعار التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , وشعار التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك , و ما الحج إلا طواف وسعي ووقوف ومبيت ورمي وحلق أو تقصير , وإن من فضل الله على عباده هيأ لهذا البيت عبر الأزمان من يقومون بوفادة الحجاج فكانت قبائل العرب تتقاسم ذلكم قوم بالسقاية وقوم بالإطعام وآخرون بالحماية حتى تعاقبت الأجيال والدول حتى هيأ الله لبيئته بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية راعية أمره مفتخرة بخدمته مذللة ما من شأنه التسهيل على الحجيج في غدوهم ورواحهم ومراحهم باذلة وسعها في التشييد والأعمار يشهد به القاصي والداني جعلها الله بلاداً آمنة مطمئنة وحاز بلاد المسلمين . وأن لكم على هذه البلاد حجاج بيت الله الحرام التي حاب وبذل العون والأمن والراحة منذ قدومكم سالمين إلى رواحكم غانمين , وأبدلها عليكم استشعار هيبة المشاعر والتزام الأناة والرفق والأنظمة والتعليقات التي تصب في مصلحة الحجيج وعدم الإخلال براحتهم وأذيتهم في نسكهم فلا مجال لمزايدات بشعارات لا صلة لها بالحج ولا مجال لشرخ نسك العبادة بما ليس منها , وبارك الله في الجهود وسدد الخطى وأتم على الحجاج حجهم .