لم يكن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – شخصاً عادياً، بل كان من الرجال القلائل الذين عركتهم الحياة؛ عُرف عنه نجاحه وتميزه في المناصب التي تقلدها، وكثير من المهام التي أُوكلت إليه، والأعمال التي تولّى الإشراف عليها. عرف العالم الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- على مدى أربعين عاماً متنقلاً بين عواصمه ومدنه شارحاً سياسة وطنه، وحاملاً لواءه، ومنافحاً عن مبادئه ومصالحه ومبادئ ومصالح أمته العربية والإسلامية، مضحياً في سبيل ذلك بوقته وصحته، كما عُرف عنه الإخلاص في العمل، والأمانة في الأداء، والولاء للدين والوطن، فكان لوطنه خير سفير، ولقادته خير معين. أفنى الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – جُلّ حياته، وزهرة شبابه، مجاهداً في تحمّل أعباء ومسؤوليات السياسية والدبلوماسية السعودية، خدمةً لدينه ووطنه وعقيدته ومليكه وأمته العربية والإسلامية، بل في خدمة قضايا العدل والأمن والسلام في العالم، يجسّد في ذلك توجّه وسياسة المملكة التي كانت تقف دائماً من جميع القضايا الدولية موقف الحق والعدالة والإنصاف. مسيرته العملية تدرّج سموه في العمل الحكومي، فتقلد كثيراً من المناصب والمسؤوليات والمهام السياسية والدبلوماسية، وتوالت مواقفه المؤثرة وإنجازاته خلال مسيرته العملية التي بدأت بالتحاقه بوزارة البترول والثروة المعدنية؛ إذ عمل بعد إنهاء دراسته الجامعية مستشاراً في وزارة البترول والثروة والمعدنية، وعضواً في لجنة التنسيق العليا بالوزارة. المؤسسة العامة للبترول والمعادن بعد ذلك انتقل سموه – رحمه الله – إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، وأصبح مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين في 26/2/1386ه، ثم عُين سموه نائباً لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط في 14/1/1390ه الموافق 15/6/1971م. وزارة البترول وعيّن الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – نائباً لوزير البترول والثروة المعدنية بين عامي 1971 و1974م. وزارة الخارجية التحق الأمير سعود الفيصل بوزارة الخارجية في عهد والده الملك فيصل – رحمهما الله -، وعمل إلى جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية عمر السقاف، وبعد وفاة السقاف عُين – رحمه الله – وزير دولة للشؤون الخارجية خلال المدة من 17/3/1395ه إلى 8/10/1395ه.، ويعدّ سموه ثالث وزير للخارجية السعودية في العهد الحديث، بعد والده الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي تولى الوزارة مرتين: الأولى (1382-1395ه)، والثانية (1382-1395ه)، فيما حلّ إبراهيم السويل في المدة (1380-1382ه)، ليتسلّم سموه مهام وزارة الخارجية طوال المدة (1395-1436ه)، أي ما يزيد على 40 عاماً، اعتلى فيها كرسي الوزارة الأكثر حساسيةً، وقاد خلالها الدبلوماسية السعودية بكل كفاءة واقتدار، في ظل أحداث وتحولات سياسية كبيرة بذل خلالها جهوده لحماية مصالح الوطن، وكان صلباً في الذود عنه وعن أمتيه العربية والإسلامية، كما ساهم بجهده ووقته في مواجهة كثير من التحديات والتهديدات، واستطاع بما عُرف عنه من حنكة وحكمة أن يجنب المملكة كثيراً من سلبيات تلك الأحداث والأزمات. مبعوثاً لخادم الحرمين في 10/7/1436ه صدر أمر ملكي بتعيين سموه وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين ومشرفاً على الشؤون الخارجية، حتى وافاه الأجل يوم الخميس 22/9/1436ه الموافق 9/7/2015م. المهام واللجان أُوكل إلى سموه – رحمه الله – كثيرٌ من المهام، منها تسميته نائباً لرئيس المجلس الأعلى للإعلام، وعضواً بالمجلس الأعلى للبترول، وعضواً بمجلس الإدارة المنتدب للهيئة الوطنية للحياة الفطرية. وبحكم عمله وزيراً للخارجية كان سموه عضوًا في كثير من اللجان العربية، مثل: اللجنة العربية الخاصة بلبنان، ولجنة التضامن العربي، واللجنة السباعية العربية، ولجنة القدس، واللجنة الثلاثية حول لبنان (ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث)، وغيرها. القمم والاجتماعات ترأّس صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمه الله وفد المملكة في عددٍ من اجتماعات القمة، سواء العربية أم الإسلامية، نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين، إضافةً إلى رئاسته الدائمة وفد المملكة لاجتماعات وزراء الخارجية العرب والمسلمين، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية على مدى العقود الأربعة التي قضاها – رحمه الله – وزيراً للخارجية. إنجازاته ومن إنجازاته التي لا تُنسى أنه ساعد عام 1989 في التفاوض على اتفاق وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً أوزارها. مرضه عانى سعود الفيصل آلاماً حادة بعد إصابته بمرض باركنسون، وهو أحد الأمراض العصبية، ويؤدي إلى مجموعة من الأعراض أهمها: الرعاش، وبطء الحركة، إضافة إلى التصلب أو التخشب الذي ينتج منه فقدان الاتزان. ترجّل الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – من قمة هذه المسؤولية مرهقاً بدواعي الظروف الصحية التي عاناها كثيراً في آخر أيام حياته، ومع ذلك، وحتى اللحظات الأخيرة، فقد كان يحمل هموم وطنه وأمته، فلم تغب عن فكره وعقله حتى غيّبه الموت مخلفاً وراءه سيرة عطرة حافلة بالعطاء والإنجاز والتفاني والإخلاص أمام واجبات المسؤولية، وتاركاً إرثاً من الفكر والمنهاج والتجارب العميقة، لتبقى مسيرته العملية مرجعاً من أهم مراجع التعامل مع القضايا السياسية والدبلوماسية في وقت الأزمات وفي الحرب والسلم. وحقّق ما قام به الأمير سعود الفيصل – رحمه الله- خلال عمله السياسي والدبلوماسي إنجازات محورية بين السعودية ودول العالم في المجال الاقتصادي والتجاري، ومكّنها من إبراز ثقلها اقتصادياً في العالم العربي والإسلامي بصفتها أكبر دولة مصدرة للبترول؛ فقد استطاع – رحمه الله- أن يستخدم قوة الحوار مع بلدان منظمة التجارة العالمية، ومكّن المملكة من الانضمام إلى عضوية المنظمة من دون أن تتنازل عن أي مبدأ من المبادئ التي كانت تطالب بها منظمة التجارة العالمية، التي رفضت انضمام المملكة إليها رغم المحاولات التي استمرت أكثر من عشر سنوات، وعند إسناد مهمة وزارة الخارجية إلى الأمير سعود الفيصل – رحمه الله- تمكّنت المملكة من الانضمام إلى هذه المنظمة؛ فالدور السياسي والدبلوماسي له علاقة وانعكاس على الدور التجاري والاقتصادي؛ فقد أصبح السوق السعودي مفتوحاً لجميع الواردات والصادرات من أنحاء العالم بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهو ما لم يتحقق إلا بفعل الدور السياسي والدبلوماسي الذي قام به الفقيد – رحمه الله-.