حينما رافقت والدي في المستشفى – أطال الله عمره على الطاعة ومتعه بالصحة والعافية – أدهشني تعامل الممرضة الفلبينية والبساطة في شخصيتها وهدوئها وحبها لعملها وإخلاصها فيه وانضباطها في مواعيدها حضوراً وانصرافاً وعلاجاً وخدمةً فتساءلت في نفسي : كيف وهب الله تعالى لهذا الشعب فن التعامل وحسن الطبع ؛ ابتسامة مع المريض وسلاسة ولباقة في الأسلوب حتى أصبحت ثقافة عندهم بل عادة !! والأغرب كيف أنها تداوي وتخدم كبير السن وكأنها أحد بناته وتواسيه بتحنان وتمسح جسده المتهالك وهي تسمي عليه وتذكر الله وتحوقل وتقول ما شاء الله !! حينها فرحت أنها مسلمة فسألتها من باب الفضول فكانت المفاجئة قائلة : أنا مسيحية فأسررتها في نفسي وتذكرت سفرتي في عاصمة الفلبين ( مانيلا ) فما أقابل أحداً إلا ويبتسم في وجهي بل وينحي احتراماً وتقديراً لي مصحوباً بجمل وألقاب وتحايا وتقدير وحينما سألت أحدهم عن سرِّ تعاملهم !! أجابني قائلاً : إننا نتعلَّم منذ الصغر في المدارس ( فن التعامل ) كمادة تدريبية نتدرب عليها ونحن أطفالاً وكيف نتعامل مع الكبير والصغير والضيف والمريض والسائح و ….إلى آخره. عندها انصدمت بأن ابناءنا يتعلمون سلوكاً بلا تطبيقا ولا ممارسات !! فعرفت لماذا نزرع براً ونحصد شعيراً !! ولماذا ندخل ابننا في الصف الأول الابتدائي بسلوك وتربية جيدة في البيت وما يأتي وسط السنة إلا وهو حاملٌ جملاً وألفاظاً غير تربوية اكتسبها من زملائه !! وأيقنت أن المنتج المدرسي – إلا من رحم ربي – يشكو في صندوقه الأسود من ثقافة اللامباة وأن الأبناء يخرجون معلبين بلا طموح ولا حب للقيادة !! أحب الكسل والتهميش لمن حوله فلا يفيق إلا بعد أن يكتوي من لدغ الزمن له .. عجباً لكم يا شرق آسيا وألف أهلاً وسهلاً بسلوككم الراقي وتعاملكم السامي .. فوالله أغلب المرضى ليسوا بحاجة الدواء !! بل هم بحاجة للعلاج النفسي ؛ فالابتسامة المخلصة التي تحملها الممرضة تستطيع من خلالها أن تدخل السرور على مرضاها وبخاصة كبار السن !! وترفع من معنوياتهم بل حتى النزول لرغباتهم وعدم التأفف أو التضجر من التعامل معهم ومن نظافتهم وأنها تصنع مالا يصنعه الشراب والحبوب والأبر فهم مرضى وعاجزون عن الحركة !! إنهن يحملن سلوكا نبويا بلا إسلام ألم يقل رسول الرحمة ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) أيها الأحباب : أشعروا مرضاكم أنهم مازالوا يتمتعون بالصحة وأنهم قادرون على العطاء وأنكم بانتظارهم وبحاجتهم وأكثروا لهم الدعاء الصادق من قلوبكم فرب دعوة تتفتح لها أبواب السماء استجابة وأنتم لا تعلمون !! فكم من كلمة وجدت لها صدى عند الرحيم الرحمن !! أيها الرجل .. أيتها المرأة .. أيها الابن .. أيتها البنت … لا تكن الممرضات أشد اهتماماً منكم بمريضكم لفظاً وأسلوباً وتعاملاً … ولا تفتحوا عيون مرضاكم تجاهكم كي يعقدوا المقارنات بينكم مع الممرضات !! وقوموا بواجباتكم تجاه مرضاكم فغداً – لا سمح الله – قد ترقدون على الأسرَّة البيضاء مثلهم فلا تجدوا من يقوم بواجبكم إلا من شرق آسيا !! عندها ستعرف : لماذا شرق آسيا ؟؟ !!