الحياة رحلة قصيرة بأوقاتها السعيدة، طويلة بأوقاتها المؤلمة ، لا دوام لحال في هذا الطريق الذي نسلكه مخيرين لا مختارين، تمر بنا محطات ومحطات يطيب لنا الإقامة في بعضها ونكره أن نمر ببعضها الآخر. تغدق علينا بالخيرات حتى نظن أنها لا تحول ولا تزول، ندمن اللحظات السعيدة كما ندمن طعم الحلاوة في السكر، لكنها تنقلب علينا، فالأشياء تعرف بأضدادها، لكننا لا نسعد بحلاوة المعرفة كما نسعد بدفء العشرة وشغف اللقاء. الفقد ... ليس مجرد كلمة، هو شعور يفيض من القلب، مؤلم حزين، يحرق الفرح في دواخلنا العميقة ويسبغ النفس بالسواد، فلا نطعم حلاوة السكر بعدها. غربة أو انفصال أو موت ... لا فرق، هو ذلك الخواء الذي نعيشه بلا أرواح، أجساد تهيم بلا هدف، تئن وتعتصر أحزانها لتفيض على محيّاها صفرة وشحوبا رماديا كالهباب. كيف تقضي الحياة أن نفترق، أن تتبخر تلك الأماني والأحلام كأنها لم تكن، ذلك الطريق الذي سرنا عليه معا لم نكمله بعد، أين ذهبوا ولماذا؟ ... هي الأيام، تفرق ما اجتمع وتشتت الخلائق في تفاصيلها وتحجبهم بين ثناياها... ما أشد طعم الفراق وما أبشع مرارته، ما أصعب أن تقتلع الوردة من جذورها فنفقد عطرها ونضارتها وزهو ألوانها... هي الحياة، لا نعرفها عندما نظن أننا نحياها بتفاصيلها، تلك التي أحببناها وتعرشت على قلوبنا الفيّاضة بالحب، تقسو علينا فنحنو على أنفسنا بدمعة حزن، قد تطفئ اللهيب وتغسل مرارة الفراق، وقد تفتح نافذة لنسائم جديدة، عليلة مفعمة بعبق الذكريات وأمل اللقاء من جديد. خلق الله الداء وخلق معه الدواء، لا اعتراض على حكم الله فينا، فما خلق هذه الحياة عبثا، وما خصنا بذلك الألم إلا ليعلمنا كيف نصبوا للشفاء ونناله... سنسعد بالدعاء لأحبتنا الذين نفتقدهم، وسيسعدون بمحبتنا ودعائنا، ولن يطول اللقاء مهما طالت الأيام، وإن كانت الدنيا قد فرقتنا، ففي الآخرة لنا رجاء. نعم رحلوا وتركوا في جوارحنا ندبة، لا يمحوها إلا أن قال عز وجل: "فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو "، وقال "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " لا شك أن قلوبنا تنفطر ببعد من أحببناهم وقلوبنا تنكسر لعدم رؤية من نشتاق إليهم ونرى بدونهم الدنيا "بلون أحادي" اعتدنا على وجودهم وبيننا مودة ورحمة فالعائلة التي يقيم فيها الفقد لا تعود كما كانت اسأل الله لي ولكم من السعادة ما يمحو بها أحزاننا، ومن اليقين ما يزيد به إيماننا، ومن الصحة ما يعافي بها أبداننا، وغفر الله لنا ولكم ولوالدينا، وجعلنا وإياكم من سعداء الدنيا والآخرة. نوره بنت فهد الغانم