وأب كل طالبٍ تعلّم على يده، وأب كل رجلٍ جمعته بهم الأيام والسنين معاً ، والأخ الكبير لأحبابه .. فما أوفى أولئك الأبناء والإخوة والأحبة الذين إمتلأت الصفوف بهم للصلاة عليه يوم وداعه، وشيعوا جثمانه إلى لقاء ربه . .... وبعد الرحيل .. لازلت أُلملم بقايا روحي من ذاك الركن الذي كان أبي ينتظرني به كل ليلة ولم يعُد إليه مرة أخرى.. ما أوجع وأشد يُتم الكبير فمنذ ذلك اليوم وقلبي مكلوم وحروفي متناثرة،وأبجديتي ثكلى معلنةً حدادها في قلبي بلا مدى .. في بضعةِ أيامٍ كانت ملامح الوداع تُخيّم على وجهه ، وأنا لازلت أنتظر عودته من المحراب الذي باع الدنيا فيه واشترى الآخرة .. كل مافي مصلاه باقٍ لم يتغير سوى غياب جسده ..! مصحفه ومتكأه ونظارة قراءته ورائحة عطره في موضع سجوده وملامح الفقد في عيون أحبته .. عشرون عاماً فاتحاً لأبواب المسجد ومغلقاً لأنواره ، وصوته يصدح في أرجائه وزواياه في أوقات الصلاة الخمس، فاللهم أُجبر قلوبنا على فقده،فأحسِنوا لمن تُحبون، فالشوق بعد الموت لا يُطاق .. اللهم اجعل القرآن الكريم الذي كان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار مؤنساً له في قبره وجمعنا الله وإياكم ووالدِينا وأحبابنا وجميع المسلمين في مستقر رحمته . فشكراً لكل من شاطرني حُزني وشيع معي جثمان أبي .. شكراً لكل من أخبرني بأني لستُ وحدي سواء في وقوفه معي أو مواساتي بحضوره أو إتصاله أو برسالة منه . (لن أنساها لكم ) أسأل الله أن لا يحرمكم أحبابكم وأن لا يُريكم ما يؤلمكم فيهم. __ بقلم هشام بن عبدان العبدان