الوطن الذي نشأنا فيه ولعبنا فوق ترابه،ومتعنا ناظرنا وعشنا بين مناظره الطبيعية الخلابة، تحت سمائه، غيومه، شمسه، قمره، سهوله، طيوره، أشجاره، زهوره، طيب هوائه ومائه، روعة الليل فيه، ثمره اللذيذ،أهله البسطاء، وكرمهم الوفير، ليس فقط حيزا جغرافيا؛ إنه مسقط الرأس الذي ترعرعنا فيه وذقنا فيه حلاوة السعادة وأكلنا من خيراته وحملنا تطلعاته ليصبح رمزاً لكل ما مضى، واجبه علينا أن نرفع شعار حبه والانتماء إليه عاليا، وأن يكون في دمنا وفي أحداقنا وأن يكون أغلى من النفس والأهل والمال؛ فحب الوطن ليس مجرد حكاية تروى في أعذب أسلوب! الوطن هو أثمن ما في الوجود، حبه وعد وعهد ودين، نضحي بحياتنا دفاعاً عن ترابه، لأننا نستمد منه انتمائنا وهويتنا وكياننا الإنساني. الوطن هو الأم التي ترعانا ونرعاها، وهو الأسرة التي ننعم بدفئها؛ فلا معنى للأسرة دون الوطن، فهو الأمن والسكينة والحرية، وهو الانتماء، والوفاء، والتضحية، والفداء، هو أقرب الأماكن إلى قلوبنا، فيه أهلنا، وأصدقاؤنا. وحبه يجب أن يدفعنا إلى الجدّ والاجتهاد، والحرص على طلب العلم والسعي لرقيه ورد شيئا من أفضاله علينا. الوطن هو أغلى شيء في حياتنا، لذا حقه علينا أن نحميه وندافع عنه ضد الأخطار والأعداء، ونكون دائماً على أتم استعداد للتضحية من أجله، وأن نفديه بأرواحنا ودمائنا في أي وقت، وعلينا أن نُنمّي وطننا ونسعى إلى رفعته والارتقاء به في كل المجالات، ويكون ذلك بأن نجتهد ونهتم بأعمالنا مهما كانت صغيرة أو كبيرة ، فكل عمل يسهم في تنميته وتقدمه، كما يجب على كل أب وأم أن يغرسا حب الوطن في أبنائهم منذ الصغر، وأن يحثّوهم على التعلم، ويحرصوا على أن يكون أبناءهم أقوياء وأصحّاء كي ينفعوا وطنهم فهم أمل الوطن وعماده ومستقبله الوطن كيان تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر. وإذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ وفاءً وحباً منه لوطنه. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات؛ فإن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) سورة هود، 61 ، ويمكن القول إن دور التربية والتعليم يتمثلُ في تنمية الشعور بحب الوطن واستشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه -بعد فضل الله سبحانه وتعالى- منذ نعومة أظفاره، ومن ثمّ تربيته على رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان، لاسيما أن تعاليم ديننا الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى: (هَلْ جزاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) سورة الرحمن، 60 . إن حب الوطن يتمثل في الحرص على مدّ جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه، لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه، الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة؛غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية؛ العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام؛ تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته، التي من حق الجميع أن ينعُم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص؛ الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته، سواءٌ كان ذلك الإسهام قولاً أو عملا أو فكرا، وفي أي مجالٍ أو ميدان؛ لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي ؛ التصدّي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة؛ الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل؛ ومن الطبيعي أن أي إنسان حرّ يكون محٌباً لوطنه، مخلصاً له، غيوراً عليه بغض النظر عن عقيدته أو جنسيته، وهذه صفة حسنة عند بني البشر جميعهم؛ فالوطن هو مصدر عزّة وفخر لكل فرد ينتمي إليه، ولابد للجميع أن يسعوا ويجدوا لرفع اسم الوطن عالياً خفّاقاً. كما أن هذه الصفة الحسنة (حب الوطن) نجدها عند كل إنسان وفي كل الأديان فالكل يسعى لأجل وطنه، لكن الغريب والعجيب والمؤسف –أيضاً- أن نجد من هم ينتمون لنا ويتشدّقون بهذا الانتماء وهم يشوّهون الوطن ويمنون عليه بالعطاء، بل يُخيّل إليهم أنهم كارهون له أشدّ الكره، فهم وإن كانوا ينتقدون السلبيات أحياناً، وهذا شيء جميل، تجدهم أحياناً كثيرة وفي أوقات صعبة يسعون بكل طاقتهم وقدراتهم إلى تزييف الواقع، أو إنكار الجميل، أو تشويهه، ويتعمّدون تشويه الوطن؛ فهم لا يرون الجميل أبداً لأنهم خالون من الجمال، وكما قيل: (كن جميلاً ترى الوجود جميلاً)، ولأنهم يلبسون نظارات سوداء قاتمة أو بالأصح هم بلا بصيرة فلا يرون إلا القبيح وإن كان صغيراً، فهم يهوّلونه وإن كان غير موجود، يصنعونه بنظّاراتهم ويلفتون الأنظار إليه، وذلك أشد وقعاً علينا من أن يأتي من غيرهم، في حين من المفروض في هذا الوقت أن يكونوا سنداً ودرعاً لأوطانهم، وأخيراً ما نرجوه منهم أن يروا الجميل فيشيدوا فيه، أو أن يصمتوا، فذلك أحسن، وأن يضعوا مصلحة الوطن أولاً قبل أي غاية، فمتى لهؤلاء أن يحترموا وطنهم؟ وهل فيهم غيرة على وطنهم؟ فإن لم تكن غيرتهم على وطنهم اليوم، فمتى تكون؟! وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي وهفا بالفؤاد في سلسبيلٍ ظمأٌ للسواد من (عين شمس) شهد الله، لم يغب عن جفوني شخصه ساعةً ولم يخلُ حسي