عادة.. لا يتردد الرجل كثيرا في الانفصال عن زوجته وتطليقها والتبرؤ من احدى محارمه اذا ما ولجت احداهن السجن لأي سبب كان. في عرف المجتمع كيف للرجل القبول بالزواج من سجينة او حتى مجرد التفكير في مثل هذه الخطوة، رغم أن النساء هن الأكثر شجاعة في الاقتران بسجناء.. بل ومحكومين بالقصاص! فهد سعد الجهني.. مواطن ميسور الحال ماديا، زوج لثلاث انجب منهن عددا من البنات والبنين المتفوقين في عدة مجالات علمية وعملية وأخذ على عاتقه تطبيق فكرة الزواج من سجينة كي يلتمس منه الاخرون التجربة والشجاعة في الستر على «خريجة سجون»، واعادة تأهيلها ودفعها الى الحياة مجددا. يقول فهد عن خطوته الشجاعة: ظللت اتساءل دائما عن مصير فتيات سجينات.. الى أين يذهبن اذا ما أفرج عنهن ورفضت أسرهن استقبالهن، من يعولهن وهل يدفعهن رفض المجتمع لهن الى تكرار ذات الاخطاء التي ادخلتهن السجن؟ هل يحق لها؟ يضيف فهد التساؤلات ويقول: لماذا لا نشرع للسجينات التائبات ابواب المستقبل طالما أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده فلماذا نوصد في وجوههن ابواب التوبة ونحرمهن فرصة البدء من جديد،ولماذا نتغاضى عن نفس الخطأ من الرجل ونتوقف كثيرا اذا ماكانت المذنبة امرأة. لطالما فكرت كثيرا في أخطاء فتياتنا القابعات خلف القضبان فمن المؤكد أن السجن مدعاة للتوبة والاقلاع عن الخطأ وعدم تكراره فهل يحق للسجينة التائبة ان تتزوج لتكون سببا في بناء اسرة مسلمة مستقرة وفي اشاعة الفرح وحياة زوجية سعيدة؟ كل ذلك دفعني أن اطرح فكرة زواجي من «سجينة»، طرحت الأمر بين يدي علماء ودعاة أفاضل فباركوا لي الفكرة واخذوا بيدي لتطوير الفكرة الى انشاء جمعية تعنى بالسجينات المفرج عنهن وشرعت الآن في مخاطبة المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية.. وبالمهتمين بهذا الجانب وسأعمد الى مخاطبة الجهات المعنية الاخرى لترشيح سجينة من المتوقع الافراج عنها وتفكر جديا بالبدء من جديد والارتباط وتكوين أسرة. فهد يختم: السجينة هي محور مشروعي للزواج وانشاء جمعية تعني بتزويج السجينات وهو ما أسعى الى تدشينه في الايام المقبلة وسأعمل على توفير الاشتراطات اللازمة في الراغبين، لضمان حقوق السجينة المادية وتهيئة الظروف المحيط بها كي تكون عماد للأسرة السعيدة. وبحسب صحيفة عكاظ يقول المأذون الشرعي زياد سعد المعاوي: الزواج بسجينة تأكيد على توبتها عن الخطأ الذي ادى بها الى دخول السجن، ولا يعني الارتباط بسجينة سابقة الوقوع في شرك الخوف والارتياب من تكرار ماضي السجينة. وكم من شخص اقترف اخطاء اكبر من خطأ الفتاة الذي ادخلها السجن وستره الله سبحانه وتعالى فلماذا لا نكون عونا على الستر ومساعدة اولئك الفتيات على بدء حياة جديدة. واضاف أن هناك من اولياء الامور من يريد الستر لابنته التي وقعت في الخطأ. فيصارح شابا يتوسم فيه الستر بذلك فيقبل الشاب وهي حالات شائعة في مجتمعنا الخير. واستطرد المعاوي متسائلا: لماذا لا نقيس هذه التجارب على امر السجينات اللائي طهرهن السجن فأعلن ندمهن وتوبتهن وعزمهن على بدء حياة جديدة.. لماذا تتوقف مبادراتنا الخيرة حين نصل الى السجن ومن فيه. واستعرض المعاوي تجاربه في اجراء عقود الزواج على السجينات بالقول: شهدت حالتين من هذا النوع لكنها ليست لسجينات سابقات بل كان الامر يتطلب عقد الزواج على السجينة والسجين، حتى يمكن الافراج عنها فعدم وجود عقد زواج لدى الطرفين ادى بهما للسجن. في هذا الشأن يقول الدكتور عمر زهير حافظ المشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة إنه لا يجب وضع السجينة السابقة في اطار خاص من المعاملة حتى لو تم الارتباط بها، طالما افرج عنها واصبحت تتمتع بحريتها وحقوقها التي كفلها الاسلام. وبانتهاء محكومية السجينة تعود الفتاة او المرأة الى حياتها المعتادة ولا يجوز الحكم عليها مجددا باعتبارها سجينة سابقة بل من خلال اخلاقها وتعاملها مع المجتمع، وهو ما قد تولد منه فرص الزواج بها ففي نهاية الامر تظل السجينة المفرج عنها «انسانة» لها ما لها من حقوق.. وعليها واجبات نحو اسرتها والمجتمع. يقول الباحث الشرعي فيصل عوض أن العقوبة أيا كانت هي ردة فعل لسلوك سيئ، فعمليا إذا انتهت كفارتها من السجن أو بأي عقوبة أخرى يجب التعاطي معها كفرد عادي فكل واحد منا معرض للخطأ وإذا دفع ثمن الخطأ نبدأ عملية تأهيله، رجلا كان او امرأة، ليعود للمجتمع وهو بكامل إمكاناته وعطائه. لكن بعض الاسر تضع قوانين وضعية تعاقب بها بناتهن ونسائهن فجعلت العقوبات أبدية، إما بحبسهن حبسا مطلقا أو هجرهن للابد ولو قلبنا عدسة الرؤية على الرجال في مختلف اعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية لوجدنا العكس في كل امورهم ومنها حقهم في التوبة والزواج. ولم يحرم الشرع أبدا الزواج بعد عقوبة مستحقة أو توبة نصوح، إلا ما كان فيها تحريما بنص شرعي. الباحث فيصل عوض يدعو الى تصحيح النظرة لأخطاء البنات والنساء وضرورة منحهن حقوقهن بما شرع الله تعالى لسد ثغرات وفجوات المجتمع على مختلف طبقاته ومنع مزيد من إفرازاته المنحرفة وتمنح المجتمع مزيدا من الأمن والاستقرار والسعادة. على النسق ذاته، يرى فهد عوض الزايدي إمام مسجد عبدالرحمن بن عوف في جدة ان النظر بعين الرحمة والشفقة على كل من أخطأ في حق نفسه وحق دينه ومجتمعه أمر واجب على كل ناصح صادق يرجو الله والدار الآخرة فرعاية وعناية المجتمع المسلم لشريحة من الأخوات وبنات المسلمين اللاتي وقعن يوما من الأيام في حبائل الشيطان وأخطأن حتى أوصلتهن النفس الأمارة بالسوء خلف القضبان واجبة. فهؤلاء انتهى عقابهن الشرعي وحان وقت ساعة خروجهن من الحبس، لكنهن لم يجدن من يتولى أمرهن بعد الله حتى أصبحت حياتهن تميل لليأس من صلاح أنفسهن واستقامة سلوكهن وكل ذلك بسبب نظرات الشامتين التي أشبه ما تكون بالإبر. فالواجب علينا أن نعنى بأمر هؤلاء الفتيات وأن يأخذ المجتمع بأيديهن للخروج بهن من هذه الوعكة الاجتماعية للسير بهن نحو حياة جميلة تغمرها إشراقة أمل وبناء مستقبل آمن من جميع المخاوف النفسية التي غالبا ما يرتاب منها السجناء من مجتمعهم عند قرب انتهاء محكومياتهم. في رسالة للمجتمع يقول فهد الزايدي: ليعلم المجتمع أن هذه السجينة قد وقعت في شراك الخطأ بعد أن خدعها الشيطان والنفس الأمارة بالسوء فلا ينبغي لنا أن نكون عائنا للشيطان عليهن فيجب علينا الأخذ بأيديهن لتكون السجينة بعد خروجها فتاة صالحة نافعة لمجتمعها ترعى زوجها وتحفظ بيتها وتربي أطفالها فبهذا الدعم تصبح تلك السجينة لبنة صالحة وبصلاحهن يصلح مجتمع بأسره وكل ذلك حصل بعد فضل الله عليهن ثم فتح باب الأمل لهن ودلالتهن للسير في الطريق القويم من خلال اتباع المنهج المستقيم حتى نصل بهن لشاطئ الأمان وجعلهن يفتحن صفحة بيضاء تسر الناظرين ينسين من خلالها ما مضى لهن من وقوع في أوحال الزلل واقترافهن الخلل انطلاقا من باب الذي لا يوصد بابه حين قال (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) وقوله صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لاذنب له) وقوله (التوبة تجب ما قبلها) فهذا هو واجب الأمة المتراحمة تجاه كل من وقع فريسة ذنب أو ضحية لخطأ بألا يعنف عليه وألا تغلق الأبواب دونه وألا نكون سببا في تقنيطه من رحمة الله وأن لكل حصان كبوة.. فمن الذي ما أساء قط.. ومن الذي له الحسنى فقط. آباء رافضون نسرين أبو طه مسؤولة في دار الحماية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية أكدت وجود العديد من الطلبات التي يرغب اصحابها الارتباط بالسجينات المفرج عنهن واللائي يقمن في الدار بسبب رفض ذويهن استقبالهن واستلامهن. وقالت إنه منذ انشاء دار الضيافة منذ قرابة ثلاث سنوات وقفت على زواج ثلاث سجينات وهن يعشن الان حياة مستقرة وسعيدة. وفي العادة يرفض اولياء الامور التجاوب مع رغبات بناتهم السجينات بالزواج ولذا يرفع الامر الى الحاكم الاداري ومنه الى القضاء الذي يقف مع تحقيق رغبة السجينة السابقة في تكوين اسرة. وأوضحت نسرين إن الاجراءات التي يجب على من يرغب الارتباط بفتيات دار الحماية تتمثل في أن تنطبق عليه اهلية الزواج عبر التحقق من دخله المادي واجراء المقابلة الشخصية الى جانب احضار شهادة تزكية من عمدة الحي ومن يعيش معهم. ومن ثم تأتي مراسم الزفاف التي تنحصر اقامتها داخل الدار ويشارك فيها رئيس الدار والاخصائيات الاجتماعيات ونادرا ما يشارك فيها ولي امر العروس. وتضيف «نحن نسعى ونعمل جاهدين على تغيير نظرة المجتمع نحو الفتيات المفرج عنهن من السجن، والحمد لله هناك تجاوب من بعض الاسر لكن الاغلبية ترفض الصفح عن بناتهم. ونسعى للاخذ بيد فتياتنا لبدء حياة جديدة، فجميعنا يخطئ والله يقبل التوبة عن عباده، لذا يجب أن نصفح وإلا اسلمنا فتياتنا للضياع بسبب خطأ الماضي». تأمين شروط شرعية لزيجات السجن مدير عام السجون السابق اللواء الدكتور علي حسين الحارثي أشار في عدة لقاءات إلى أن نسبة زواج السجينات ضئيلة داخل السجون بسبب أن هذه الزيجات تتطلب توفر ظروف معينة. مضيفا بأن إتمام هذه الزيجات يتطلب تأمين الشروط الشرعية والمحددة في قبول الطرفين وموافقة ولي الأمر وحضور الشهود. وأضاف الحارثي أنه في حالة عدم موافقة ولي الأمر تبذل إدارة السجن جهوداً حثيثة لإقناعه أو التنسيق مع الجهات القضائية لتحقيق رغبة الطرفين، وأنه بإمكان الشخص الراغب في الزواج التقدم لإدارة السجن ولأهل الخير أو عن طريق لجان إصلاح ذات البين حيث تتولى إدارة السجن عن طريقها مسؤولية التنسيق مع السجينة وأهلها. موضوع الزواج من سجينة والذي طرحه «علنا» المواطن فهد الجهني جاء التجاوب معه كبيرا من وسائل الإعلام ومن المؤيدين للفكرة لكن تجاوب السجينات .. كان الأهم. تقول السجينة «أشواق»: إنها تمكث في السجن بعد أن أفرج عنها في المرة الأولى حيث وقعت في نفس أخطائها السابقة ولم تجد من يحتويها حين استعادت حريتها، بل على النقيض من ذلك وجدت نظرات الشك والريبة في محيطها الاجتماعي. وتضيف «أشوق»: بعض أفراد الشلة كانوا ضحايا مثلي لكنهم أمعنوا في السير على طريق الفساد والانحراف الأخلاقي أما أنا فلازلت أقف حيث أنتظر فرصة التغيير للأفضل، وها أنا أسمع عمن يرغب في مساعدتي لتحقيق ذلك وأتمنى من الله التوفيق. «أريد بناء أسرة سعيدة.. ليست كأسرتي المسؤولة عما أنا فيه فهي ترفض استلامي من السجن ولا أريد أن أقضي فيه بقية حياتي.. يكفي ما أعيشه من فراغ كان من أهم الأسباب التي دفعتني للخطأ ودفع الأخريات للوقوع في شرك الانحراف».