تأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمملكة، امتدادًا طبيعيًّا لعلاقات تاريخية مستمرة بين البلدين الشقيقين. ويثبت المسار التاريخي للبلدين، أن لقاء المملكة ومصر على استراتيجية واحدة ممثلة في التنسيق الشامل يمكن أن يحقق الكثير للأهداف والمصالح العربية العليا، وهو ما عبر عنه ملك السعودية الراحل الملك عبد العزيز آل سعود في توضيح له للأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية بمقولته الشهيرة: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب". في شهر يونيو الماضي وعقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام رئاسة مصر، قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة رسمية قصيرة لمصر عقدت خلالها جلسة مباحثات داخل الطائرة الملكية السعودية لدى وصوله إلى مطار القاهرة قادمًا من الدار البيضاء بالمغرب. وتشهد العلاقات السعودية المصرية تطورًا قويًّا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين في عام 1926، إذ أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفي 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. وفق "عاجل". ووقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقدمت لمصر في 27 أغسطس 1956 (100 مليون دولار) بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وفي 30 أكتوبر أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر. وعقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن عام 1967، وجه الملك فيصل بن عبد العزيز نداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973، حيث ساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر. واتسمت علاقات مصر والسعودية بعمق في العلاقات العسكرية بينهما، فقد ظهر هذا جليًّا خلال المشاركة العسكرية بين الجانبين في حرب تحرير الكويت عام 1991، وشهدت العلاقات عددًا من الزيارات العسكرية المتبادلة بين القادة والمسؤولين العسكريين في كلا البلدين وبشكل دوري لتبادل الآراء والخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي تهم البلدين. وتعاون البلدان في مجال المناورات العسكرية التدريبية المشتركة مثل مناورات "تبوك" للقوات البرية للبلدين، ومناورات "فيصل" للقوات الجوية، ومناورات "مرجان" للقوات البحرية، ويعمل الطرفان على أن تشهد التدريبات المستقبلية توحيدًا كاملا، ليس للعقيدة القتالية فقط، وإنما للمصطلحات العسكرية، فالتصريحات المتبادلة بين مسؤولي البلدين تعبر عن إدراك متبادل لأهمية تكاتف البلدين في مواجهة الأخطار المشتركة، وأن "أمن الخليج من أمن مصر". وتجسيدًا للعلاقات المتميزة بين مصر والسعودية في مختلف المجالات تشهد العلاقات الدينية والثقافة نشاطًا مميزًا، وتشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية تفاعلا ونموًّا مستمرًّا تضاعف عدة مرات منذ ثمانينيات القرن الماضي، أدى إلى أن تحتل الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر، والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات العالمي. ووفقًا لبيان الهيئة العامة للاستثمار يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر 5.777 مليارات دولار بعدد شركات مؤسسة 3.057 شركات خلال الفترة من 1/1/1970 حتى 31/12/2013، ويحتل القطاع الصناعي المرتبة الأولى باستثمارات تبلغ 2 مليار دولار، يليه القطاع الإنشائي باستثمارات مليار دولار.