عقدت الجمعية السعودية لأمراض الروماتيزم اجتماعها السنوي الرابع بمدينة أبها بحضور أكثر من 500 طبيب ومختص، وناقش المؤتمر من خلال الجلسات الرئيسية وورش العمل التي استمرت على مدار ثلاثة أيام العديد من أوراق العمل والأبحاث الهامة التي قدمها المشاركون أحدث مستجدات الوسائل التشخيصية والعلاجية لمرض التهاب المفاصل الروماتويدي من أجل بلورة استراتيجية وآلية واضحة للتعامل مع هذا المرض. التهاب المفاصل الروماتويدي المزمن مرض مناعي غامض يؤدي للإعاقة إذا تأخر علاجه ويقول الدكتور حامد المدني، الأستاذ المساعد بجامعة أم القرى بالعاصمة المقدسة واستشاري أمراض الروماتيزم أن مرض التهاب المفاصل الروماتويدي المزمن هو التهاب مزمن في المفاصل يحدث نتيجة خلل غامض وغير معلوم الأسباب في الجهاز المناعي للجسم يصيب الأغشية المبطنة للمفاصل، ولاسيما المفاصل الصغيرة في اليدين والقدمين، ويؤثر على بطانة المفاصل مسبباً آلاماً مبرحة وتورماً ينتج عنه تآكل العظام وتشوه المفاصل المصابة لاسيما في بعض الحالات التي يتأخر تشخيصها ومعالجتها بشكل صحيح، وتشير الإحصائيات إلى أن معدلات الإصابة بمرض التهاب المفاصل الروماتويدي المزمن في المملكة العربية السعودية تقع ضمن حدود المعدلات العالمية والتي تبلغ 1 بالمائة من سكان العالم، إلا أن هذه المعدلات ترتفع قليلاً لتترواح مابين إلى 1,5 الى 2 بالمائة في بعض المناطق الجغرافية بذاتها. وفق "الرياض". وعلى الرغم من التطور الكبير الذي تشهده علوم أمراض المناعة، إلا أن الكيفية التي يحدث بها المرض لا تزال غامضة، بينما تشير الكثير من المشاهدات الواقعية التي تدعمها الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن هناك عدداً من العوامل تتداخل فيما بينها وتؤدي إلى اختلال في المناعة الذاتية للمريض، تبدأ على إثرها خلايا المناعة في مهاجمة أجهزة الجسم المختلفة وإفراز أجساماً مضادة ذاتية بالإضافة الى تكوين مركبات مناعية معقدة تترسب في الغشاء الزلالي المبطن للمفاصل والأوعية الدموية المغذية لها مما يؤدي إلى حدوث تلف واعتلال هذه المفاصل، ويصيب هذا المرض النساء بدرجة أكبر من الرجال بنسبة 1:3 أي أن مقابل كل 3 سيدات مصابات بهذا المرض رجل واحد مصاب به، كما وجد أن العمر أحد عوامل الخطورة لمرض التهاب المفاصل الروماتويدي الذي غالباً ما يبدا بين سن 40 – 60 عاماً، في حين تعتبر الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية أو البكتيرية من أهم الأسباب لحدوث المرض، كما لوحظ أيضا أن التدخين له علاقة بزيادة احتمال الإصابة بالمرض. أعراض المرض متعددة ولعل من أهم أعراض مرض التهاب المفاصل الروماتويدي المزمن هو الشعور بالإرهاق والضعف العام ونقص الوزن وارتفاع بسيط في درجة الحرارة، بالإضافة إلى حدوث تصلب أو تيبس في المفاصل في الصباح لمدة تمتد لأكثر من ساعة، بالإضافة الى عدم القدرة على عمل حركة روتينية يومية كان الشخص يؤديها في السابق بشكل طبيعي، مثل استخدام فرشاة الأسنان، وفتح الباب، وتصفيف الشعر، والجلوس ثم الوقوف من الجلوس، وعادة ما تبدأ أعراض المرض بصورة تدريجية وتستمرة لمدة طويلة، لكن هناك بعض الحالات القليلة التي يكون فيها المرض مباغتاً ومصاحباً بالأعراض الأشد. ومن جهتها قالت الدكتورة فايزة الجشي، استشارية أمراض الروماتيزم بمستشفى الملك فهد بالدمام إن وسائل تشخيص وعلاج إلتهاب المفاصل الروماتويدي المزمن شهدت تطوراً هائلاً في الآونة الأخيرة منها استخدام مثبّط انزيمات "جانس كاينيز" (JAK) مثل "توفاسيتينب" "Tofacitinib" كخَيار علاجي فعال، حيث ساهم التوصل لفهم طبيعة الشفرة الخاصة بإشارات التواصل بين الخلايا والتي يقوم بها نوع من البروتينات يسمى "سايتوكاينيز" وتلعب دوراً هاماً في حدوث الالتهابات المزمنة وتلف خلايا المفاصل المصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي المزمن، في القدرة على تطوير جزيئات صغيرة يمكنها العمل داخل الخلايا والسيطرة والحد من الآثار المدمرة للالتهابات مما أدى إحداث طفرة هائلة في مفاهيم علاج أمراض الالتهابات المزمنة ومن بينها مرض التهاب المفاصل الروماتويدي المزمن وفتح الباب أمام استنباط فئة جديدة من الأدوية الفعالة الآمنة والملائمة للمرضى تؤخذ عن طريق الفم بدلاً من الحقن والتي تم اعتمادها مؤخراً من قبل أكبر الجهات العالمية لإجازة الأدوية مثل إدارة الغذاء والدواء الإمريكية، وهيئة الدواء الأوربية مؤكداً أن الطب الحديث يتجه حالياً للاعتماد على الأدوية الحديثة التي تؤخذ عن طريق الفم كأحد خيارات العلاج الملائمة والفعالة والآمنة، وأضافت الدكتورة فايزة الجشي أن هذا التوجه الحديث في وسائل المعالجة على مستوى العالم يستهدف ايقاف نشاط المرض وعودة المريض إلى وضعه الطبيعي، مشدداً على أهمية التشخيص المبكر كعامل حاسم في هذا الاتجاه. وحذر الدكتور حامد المدني من استخدام مضادات الالتهاب الاسترويدية (مشتقات الكورتيزون) لمدد طويلة في تخفيف حدة الآلام الناتجة عن التهاب المفاصل المزمن والسيطرة على أعراض المرض حتى تبدأ الأدوية المعدلة للمرض في عملها إلا باستشارة الطبيب المختص لما لها من آثار جانبية، وأشار أن استخدام الأدوية المضادة للروماتويد المعدلة للمرض وحدها أو بجانب أدوية أخرى قد يساعد على التخفيف من آلام المفاصل أو تورمها أو تيبسها، كما يمكنها أن تبطئ من انتشار تلف المفاصل أو تحول دونه خاصة إذ ما استخدمت خلال الأشهر الأولى للمرض، وقد يستغرق العلاج بهذه الأدوية أسابيع أو حتى شهوراً ليظهر مفعولها، أما الأدوية البيولوجية التي تعمل على تثبيط المناعة الذاتية عن طريق الحقن من خلال منع تأثير البروتينات التي تفرزها خلايا الجهاز المناعي فتستخدم منذ ما يقارب عشر سنوات وأثبتت فعاليتها في منع تآكل وتلف المفاصل ووقف نشاط المرض عند بعض المرضى. واختتم الدكتور المدني حديثه مشدداً على أهمية توعية المرضى بماهية المرض وأسبابه ومضاعفاته المحتملة للحد من انتشار آثاره السلبية على المرضى والمجتمع ككل.