جاءت السيول في محافظة الخرج مرة اخرى لتحتل صدارة الاخبار ويتناقلها الناس في مجالسهم بسبب بقاء الوضع كما هو عليه منذ سيول عام 1424ه والذي احدث اضراراً مادية في العديد من المزارع والممتلكات وتضررت على اثره الكثير من الاحياء السكنية. وقد جاءت استجابة صاحب السمو الملكي الامير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز محافظ الخرج سريعة للتعامل مع تلك المشكلة بتكليف جامعة الملك سعود بدراسة هذه المشكلة ووضع الحلول العلمية والعملية للحد من الاضرار المستقبلية لهذه السيول. وللوقوف على ماتوصلت له هذه الدراسة وابرز الحلول التي نتجت عنها كان هذا اللقاء مع الدكتور فرحان بن حسين الجعيدي رئيس الفريق البحثي و عميد كلية العلوم والدراسات الإنسانية بجامعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز - سعادة الدكتور ما هي ابرز النتائج التي توصلت اليها هذه الدراسة: في البداية اتقدم بجزيل الشكر والعرفان لصاحب السمو الملكي الامير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز محافظ الخرج على ثقته بفريق الدراسة بجامعة الملك سعود. كما لا انسى لسموه الكريم متابعته وحرصه الدائم على انجازها في اسرع وقت ممكن حتى تحقق ذلك بفضل من الله ثم بدعم سموه الكريم. كما لاننسى أن نشيد بتعاون بلدية محافظة الخرج واخص بالذكر سعادة المهندس عبدالله الدهمش الرئيس السابق للبلدية الذي كان له دور فاعل في تذليل الكثير من الصعوبات التي اعترضت الدراسة في بداياتها وكذلك ابا الخيل مهندسون واستشاريون ومعهد الملك عبدالله للبحوث والدراسات الاستشارية بجامعة الملك سعود. على أية حال قامت بلدية الخرج في وقت سابق بتوزيع نسخة الكترونية من هذه الدراسة على الدوائر الحكومية والمهتمين للاستفادة منها. لكن من ابرز النتائج التي توصلت اليها الدراسة هي انتاج خرائط لمسارات الأودية في داخل المنطقة الحضرية في سهل الخرج وذلك بالاعتماد على الخرائط الطبوغرافية والصور الجوية القديمة وصور الأقمار الصناعية قبل وبعد السيول في ديسمبر عام 2003م ولعل ابرزها تحديد مسار وادي نساح الذي لايوجد له مساراً محدداً عند دخوله الى منطقة الهياثم وخروجه منها. كذلك تم تقدير كمية تدفق المياه في الاودية المغذية لوادي الخرج والتي توضحها الخريطة المرفقة والتي تشرح فقط حجم جزء بسيط من الأودية المؤثرة في سهل الخرج من الجهة الجنوبية فقط. أي أن هناك أودية لم تدرج مثل وادي نساح ووادي حنيفة ووادي الحوطة. على أية حال على ضوء نتائج الدراسة بالاضافة الى الأخذ في الإعتبار جميع الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة في اقتراح الحلول الملائمة للمشكلة فإن الحلول الممكنة تتلخص فيما يلي: أولاً: تطبيق قرار مجلس الوزراء الموقر في جلسته المنعقدة بتاريخ 4/5/1428ه الذي حدد الضوابط والإجراءات التي يجب إتخاذها لمواجهة أضرار السيول والتي من أهمها اعتماد الدراسات الهيدرولوجية والتصاميم الهندسية اللازمة لمجاري السيول قبل اعتماد المخططات السكنية والزراعية وغيرها. كذلك عدم منح تصاريح العمل في الأودية إلا بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وإلزام المصرح له بإصلاح أي ضرر يحدث نتيجة لعمله أو لأي تجاوز لحدود التصريح الممنوح له. كما أن القرار ينص على الأخذ في الاعتبار كميات السيول ومساراتها عند وضع مشاريع الطرق والجسور والعبارات داخل المدن وخارجها وصيانة شبكات تصريف السيول في الأنفاق والأحياء وصيانة العبارات والجسور داخل المدن وخارجها قبل مواسم الأمطار وأثناءها. ثانياً: تنظيم التدفق في أسفل الأودية المنحدرة بإتجاه سهل الخرج وذلك بإقامة عدد متتابع من الحواجز (Regulators) على شكل متدرج تعمل على الحد من سرعة تدفق المياه وبالتالي تقلل معدلاتها. كما تعمل هذه الحواجز على حجز المياه بشكل مؤقت وقبل الوصول إلى منطقة المزارع المنتشرة عند مخارج الأودية. ثالثاً: تطبيق اسلوب إدارة السهول الفيضية Floodplains management المحاذية للمجاري المائية الرئيسية في سهل الخرج وذلك لتلافي اخطار الفيضانات بمشاركة ممثلين عن الاجهزة الحكومية التي لها إرتباط مباشر بمشكلة السيول. وتنحصر مهمة هذه الإدارة بمايلي: 1- تحديد مجاري الأودية في داخل سهل الخرج وتثبيت أبعادها. 2- تحديد حدود السهول الفيضية المحاذية لمجاري الأودية وتنظيم إستخدامات الأرض فيها. 3- مراقبة التعديات على المجاري المائية وتحذير اصحاب الاملاك المحاذين للمجاري بتطبيق القوانين المنظمة لمجاري السيول. 4- متابعة العمل على توسيع قنوات المجاري المائية الحالية وعبارات تصريف السيول لاستيعاب كمية التدفق المتوقعة في أقصى عاصفة مطرية والتي توصلت اليها هذه الدراسة. 5- مراقبة تنظيم البناء في السهول الفيضية بحيث تبقى مستويات المباني ارفع من مستوى الشارع بما لايقل عن 70سم ويبقى مستوى الشارع منخفضاً بحيث يسمح بعبور المياه بشكل انسيابي. 6- تنظيف مجاري الأودية وإزالة المخلفات التي تتسبب في إعاقة تدفق المياه وخاصة بالقرب من عبارات السيول. 7- الاهتمام بنظام الانذار المبكر من خلال إقامة محطات دائمة لقياس التدفق ومراقبته في الأودية. حيث أصبح بالإمكان حالياً مراقبة الفيضان آلياً من خلال المعلومات التي ترسلها محطات الانذار إلى وحدات الرصد عندما يصل منسوب المياه الى حد الخطر. كما يمكن التنسيق مع مصلحة الارصاد وحماية البيئة لرصد السحب الماطرة وإستخدام الشبكة العنكبوتية (الانترنت) المزودة ببيانات الاستشعار عن بعد لمعرفة اتجاهها. رابعاً: إقامة مناطق تجميع مياه Ponds بعد مخارج الأودية مباشرةً يصرف اليها المياه الزائدة عن طاقة الوادي. كما يمكن أن تقام مناطق تجميع مياه أخرى مماثلة قبل المدن ويتم الاستفادة منها للأغراض المختلفة. خامساً:اعادة تصميم وضع العبارات القائمة حالياً على عدد من الاودية وذلك على النحو التالي: 1- تحويل العبارة القائمة على وادي ام الحصانية الى جسر ورفع منسوب الطريق الذي يربط مدينة الدلم بالصحنة مع زيادة عدد العبارات على طول الطريق. فالتصاميم الحالية لهذه العبارات لم تأخذ في الاعتبار كميات التدفق المقدرة في هذه الدراسة ناهيك عن كمية المخلفات التي تجلبها السيول اثناء تدفقها في الوادي وتتسبب في اغلاق هذه العبارات. 2- زيادة عدد العبارات ورفع منسوب طريق المحمدي-الدلم الذي يتعرض عادة للغمر بالمياه اثناء فترة السيول وتتسبب في توقف الحركة على الطريق. 3- تحويل العبارة القائمة على وادي الخرج الى جسر وبالتحديد الواقعة على مدخل مدينة السيح بالقرب من برج المياه. 4- زيادة عدد فتحات العبارات القائمة حالياً على امتداد وادي الخرج والواقعة في شمال مدينة السيح وبالتحديد تلك التي على طريق الامير نايف في شمال غرب مخطط الورود وتلك التي في قرية اليمامة وتلك التي بالقرب من مخطط المصيف وعبارة السهباء بالقرب من كلية التقنية). 5- تحويل العبارة القائمة على وادي الخرج الى جسر ايضاً وبالتحديد الواقعة على الطريق الذي يربط الجامعة بمدينة السيح. 6- زيادة عدد العبارات القائمة حالياً على وادي نساح وتوسيعها او تحويلها الى جسور. فالتصميم الحالي لهذه العبارات لم يستوعب كمية التدفق لسيول عام 1995م وعام 2003م التي تم تقديرها في هذه الدراسة بسبب صغر حجمها الذي لايتناسب مع حجم وادي نساح. سادساً: وضع حواجز حماية للمناطق المعرضة للفيضان والنحر Scouring في كل من: 1- امتداد وادي العين بالقرب من نعجان 2- نقطة التقاء امتداد وادي العين-نعجان بامتداد وادي الدلم وبالتحديد شمال شرق جسر الاخوين في منطقة مزارع الرويضة. 3- وادي غياضة مقابل برج الخرج 4- اعادة مسار امتداد وادي نعجان. سابعاً: تنظيم عملية توزيع مياه السيول الداخلة الى المزارع في كل من الدلم ونعجان حيث يتم حالياً استخدام الحواجز الترابية Levee لحجز المياه اثناء الجريان في اتجاه معين ثم تتم ازالتها بشكل رسمي بمشاركة الجهات الرسمية والاهالي في وقت لاحق لتحويل المياه في مجاري أخرى. وتقترح الدراسة استخدام بوابات هيدرولوكية Hydraulic gates بتصميم ملائم يتم التحكم فيها آلياً وحسب الاعراف المتفق عليها مع الاهالي في كل من مدخل السيول المنحدرة من وادي العين لمزارع نعجان وكذلك في مدخل وادي ام الحصانية على وادي الدلم. مسارات الأودية الداخلة الى الجزء الجنوبي الغربي من سهل الخرج ويلاحظ حجم الأودية مقارنة بحجم المنطقة الحضرية - يطرح الكثير حاليا ً فكرة انشاء سدود على الاودية للحد من خطورتها على المنطقة الحضرية في سهل الخرج هل تطرقت الدراسة الى مناقشة هذه الفكرة؟ نعم ناقشت الدراسة هذه الفكرة فالسدود من أفضل الطرق للتحكم بالفيضانات إلا انه بالنظر الى منطقة الدراسة حيث تقع الاودية (التي هي مصدر السيول والمغذية للمزارع) في مواقع بعيدة جداً عن المناطق المستفيدة وكذلك لعدم وجود مناطق قريبة من المزارع لاستخدامها في التحكم فقد تم استبعاد هذا الحل. ومن واقع دراسة المنطقة من جميع النواحي فإن نتائج الدراسة لاترى جدوى من إقامة هذه السدود وذلك للأسباب التالية: 1- إن هذه السدود تقام على مناطق ترسيب ذات طاقة تخزينية ضعيفة بسبب قلة سماكة الرواسب الفيضية وضعف خصائصها الهيدروليكية. ويستدل على ذلك من خلال تكون المياه السطحية (الغيل) بسرعة بعد توالي هطول الأمطار. كذلك ومن خلال الاطلاع على حيثيات دراسات المشروع يتضح عدم وجود ما يشير إلى العمر الزمني للسد من خلال معرفة كميات الرواسب التي تجلبها السيول سواء كانت دراسات جيومورفولوجية أو هيدرولوجية، فالكميات الكبيرة من الرواسب تؤدي الى تخفيض القدرة الاستيعابية للخزن وبالتالي الوصول الى مستوي خزن محدود وغير مفيد. 2- إفتقار الكثير من المقترحات للدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية اللازمة لمواقع السدود حيث لايوجد ما يشير إلى وجود حفر لآبار الاختبار التي تجرى عادة على طول محور السد والاكتاف وذلك لمعرفة بنيتها الجيولوجية ودرجة نفاذيتها للمياه. فمن خلال دراسة الخرائط الجيولوجية والزيارات الحقلية للمواقع المحتملة وجد أن هذه السدود تقام على تكوينات صخور جيرية تتضمن طيات وصدوع وفوالق غير صالحة لإقامة السدود وذلك لما ينتج عنها من مخاطر كونها تسمح للمياه بالتسرب من تحت السد فتؤثر على استقراريته من خلال عمليات التجوية والتعرية التي تعمل على توسيع تلك الممرات المائية الصغيرة وتقليل صلابة صخورها وتحملها بمرور الزمن ومن ثم زيادة كميات المياه المتسربة والتي ينشط عملها وربما تتسبب في انهيار للسدود المقترحة. 3- تبلغ طاقة التخزين للسدود المقترحة على وادي العين 1.782مليون م3 (مليون وسبعمائة واثنان وثمانون الف متر مكعب) وعلى وادي ماوان 1.302مليون م3 (مليون وثلاث مائة واثنان الف متر مكعب). وهذا يعني أن سد وادي العين على سبيل المثال سيستوعب الجريان تقريباً في مدة أقصاها ساعتان بإفتراض تهاطل أمطار بمقدار 45 ملم (وهذا الوضع مشابه الى حد ما للعاصفة المطرية التي أحدثت فيضانات السيول عام 2003م والتي قد يطلق عليها 50yrs flood) وبالتالي ستقل كمية المياه المنحدرة باتجاه المزارع الواقعة في سهل الخرج. إذاً في حال انخفضت شدة العاصفة المطرية واصبحت اقل تهاطلاً مما كانت عليه في عام 2003م فإن كمية المياه قد لاتصل إلى مركز نعجان. 4- تبعد المواقع المقترحة بما لايقل عن 40كم من سهل الخرج الامر الذي سوف يؤدي إلى منع وصول الكميات المائية المطلوبة لتغذية الآبار في السهل خاصة إذا ادركنا أن جزء كبير من المياه المستخدمة في الشرب تختزنها رواسب سهل الخرج التي تتجاوز سماكتها 70م. بالاضافة الى ذلك سوف يؤدي إنقطاع المياه لفترات طويلة الى حرمان عدد من المزارع من مياه السيول التي تعتبر من اهم مصادر التغذية للتكوينات الجوفية التي تغذيها تدفق المياه في المجاري الطبيعية والتي تمثل افضل الطرق للتغذية. إذا للسدود تأثيراتها السلبية على الأمن المائي الذي تسعى حكومتنا الرشيدة إلى تأمينه في ظل شح الأمطار وانقطاعها لفترات طويلة. 5- سوف يؤدي حجز المياه في السدود لفترات طويلة إلى زيادة انتشارها على مساحة واسعة من الارض المحيطة بالمجرى والتي تتباين في تركيبها المعدني وخاصة أن صخور السد صخور جيرية تحتوي على عناصر لها قابلية على الذوبان بالماء والتي بدورها تؤدي الى زيادة نسبة الملوحة في المياه المخزونة في حوض السد. كما سوف يؤدي حجز المياه ايضاً الى زيادة كمية التبخر بسبب ارتفاع معدل التبخر السنوي لمنطقة الخرج الذي يتجاوز 2629 ملم خاصة وأن المتوسط السنوي لمياه الأمطار يبلغ مليون متر مكعب لكل 100كم2 من مساحة أحواض الأودية السفلى من جبال طويق. بالإضافة إلى ذلك فإن ما تشير إليه الدراسات الاستشارية المتعلقة بتقدير حجم المياه المتسربة إلى باطن الأرض جراء السيول والأمطار لا يمثل سوى 1% من كمية الأمطار الساقطة، ناهيك عن إن ترسيب كميات كبيرة من المواد الناعمة (الطمي والغرين) سوف تؤدي إلى تكوين طبقة قليلة النفاذية تحد من تسرب المياه إلى باطن الأرض وترفع من معدلات التبخر من بحيرة السد. 6- سوف تؤدي السدود إلى حرمان المزارع البعيدة في سهل الخرج من التربة الخصبة التي تحتوي على العناصر الغذائية الهامة للنباتات ولمزارع النخيل والخضروات بالدرجة الرئيسية. لذا فان انقطاع السيول لفترات طويلة سوف يؤدي إلى مضاعفة خطر تدهور التربة وزيادة تملحها في سهل الخرج. فالسيول في البيئة الصحراوية تعمل على تجديد التربة نتيجة لما تحمله من طمي وعناصر غذائية للنبات والتي تساعد بدورها في زيادة فاعليتها الإنتاجية. 7- سوف يؤدي حجز المياه في السدود لفترات طويلة إلى نشوء مشاكل بيئية تتمثل في زيادة المستنقعات في اعلى واسفل السد خاصة وأن كل وادي العين وماوان يكثر بها التدفق السطحي والمستنقعات (تستغيل) في حال تكرار السيول وبدون سدود ناهيك عن ما سوف تسببه هذه المستنقعات من مشاكل تكاثر البعوض الناقل للأمراض. (أ)