د.هلال بن محمد العسكر نعود مرة أخرى إلى الحديث عن الفساد الإداري في بعض جامعاتنا بشكل يتأصل وينخر في الجسد دون حسيب أو رقيب، حتى أصبحت –أو تكاد- موطنا للشللية والتحزبات المناطقية والقبلية والمحسوبيات والبيروقراطية المقيته. وكشاهد عيان على ما أعتقد أنه فساد أقول: كنت مع زميل تقدم قبل سنوات لجامعة الملك سعود -كلية ادارة الأعمال- ودعي بمكالمة هاتفية لمقابلة شخصية مع بعض أعضاء مجلس الكلية، وسمع اطراء وثناء دون اسئلة علمية أو عملية تذكر، وإنتهت المقابلة وخرج، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم لم يسمع لا من القسم ولا الكلية ولا الجامعة أي رد على طلبه مع إنه راجع وسأل عن مصيره دون جدوى ؛ مما يدل على أن المقابلة كانت شكلية. وأن هناك فساد مستفحل وضارب بأطنابه حتى النخاع ؛. وإن كنت على يقين أن المسؤولين في القيادات العليا بالجامعة لا يقبلون مثل ذلك. حينها قلت له: جامعة الملك سعود كبيرة وقديمة، وربما أن الشللية فيها مستشرية، إذهب لجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية - كلية الادارة والاقتصاد- فذهب ونفس الحكاية، دعي لمقابلة كان يرأس لجنتها أحد وكلاء الجامعة، وبعد ثناء واطراء واعجاب، خرج والى يومكم هذا، لم يسمع لا من اللجنة ولا الكلية ولا الجامعة لا قبولا ولا اعتذار؛ مما يثبت أن الفساد ليس في جامعة واحدة. ومؤخرا نصحته بالذهاب لجامعة سلمان بالخرج على اعتبار أنها جامعة ناشئة وغالبية العاملين فيها من خارج المنطقة وبحاجة لأمثاله، فذهب وقابل معالي مدير الجامعة، وقدم له سيرته الذاتية وطلب العمل مع الجامعة ولو بالتعاقد، ومضى من الوقت ما يكفي للبت في طلبه، وحتى تاريخه لم يصله لا اعتذار ولا دعوة للمقابلة ولا قبول ولا غير ذلك بحجة أن الصيف ضيعت اللبن، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد الاداري قد إنتقل وتغلغل حتى في بعض الجامعات الناشئة. اضافة الى ما سبق، هناك ادارة في جامعة الملك سعود هدفها استقطاب الكوادر المميزة لسد احتياجات الجامعة، فقرر مراسلتها وارسال سيرته الذاتية لها، عبر موقعها الالكتروني المعلن على بوابة الجامعة، ولكن هي الأخرى لم ترد، كالجامعات تستقبل ولا ترسل ! حقيقة لا يوجد أي مبرر لرفض طلبه لأنه مميز؛ فمؤهلاته بكالوريوس ادارة أعمال، وماجستير ودكتوراه في فلسفة التعليم التقني التطبيقي، وكلها من اعرق الجامعات الأمريكية، بدرجة أستاذ مشارك، مع خبرة طويلة أمضاه في التعليم والتدريب والبحوث والاستشارات في اعرق المؤسسات التعليمية والتدريبية بالمملكة، كعضو هيئة تدريس ورئيس قسم وعميد ومستشار لدى العديد من الهيئات والمؤسسات والدوائر الحكومية، ولديه من المؤلفات تراجم وكتب وحقائب ودراسات وبحوث ونشاطات مجتمعية أكثر مما لدى غالبية منسوبي هذه الجامعات،. ولكن نجاح المسيطرون من أهل الشللية والعنصرية المناطقية وحسد الأقران والخوف على الكراسي من استبعاده وأمثاله -رغم أن هذه الجامعات تلجأ الى سد احتياجها بالتعاقد مع غير السعوديين ممن هم أكبر سنا وأقل تأهيلا وخبرة - خير دليل على وجود فساد! بعد هذا كله، قد يقول قائل: ربما أن العيب فيه هو، وليس في الجامعات! والجواب حتى وإن كان الأمر كذلك، فالواجب على الجامعات احترام المتقدمين اليها والرد عليهم مهما يكن نوع ردها.! واللوم هنا على التجاهل وعدم الرد وطول وتعقيد الاجراءات، لأن ذلك يعد نوعا من الفساد، ويثير العديد من الأسئلة حول مصداقية الجامعات في التعامل مع طلبات المتقدمين اليها؟ لذلك أضم صوتي للمطالبين بإعادة النظر في الصلاحيات المطلقة الممنوحة للجامعات في التعيين، بما يمنع الحجج الواهية والشللية والعنصرية المناطقية وغيرها مما يشوه سمعة الجامعات في بلادنا ويعوق مسيرتها الوطنية، ويضاعف أعداد العاطلين عن العمل من حملة المؤهلات العليا، ويزيد من اعداد المتعاقدين الأجانب في جامعاتنا، على حساب الكفاءات الوطنية المؤهلة من أبناء الوطن، وأتمنى ممن يهمه الأمر تشكيل لجنة للتحقيق في مثل هذه المظالم، حتى تنظف الجامعات من الفاسدين وتسير بنا نحو أداء مؤسسي شفاف وعادل ومستقبل أفضل.