الحمد الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ... أما بعد : كان الناس في جاهلية جهلاء يكثر فيهم الظلم والطغيان وتفشى الشرك والكفر ضاعت بينهم الحقوق ، القوي يأكل الضعيف ، مجتمع مخيف حروب وسلب ونهب وسفك للدماء ، المرأة عندهم ليس لها قيمة وذليلة مهانة ، حتى وإن كانت طفلة لاذنب لها سوى أنها أنثى ، تقتل وتدفن في الرمال ، زعما ً منهم وخوفا ً من الفضيحة ( وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) سورة التكوير الآية : 9،8 وفي ظل هذه الأمور الشنيعة التي كانت تحدث ظهر أمر عظيم فيه السعادة للبشرية جمعاء ، إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، لينقذهم من هذه الأمور المنكرة العظيمة ، وينقلهم من ظلمات الكفر والجهل على نور التوحيد والعلم والأخلاق الحسنة النبيلة ، فأعاد للانسان كرامته وعزه وحقيقته الغائبة عنه ألا وهو توحيد رب العالمين ، فحطم الأصنام ونشر التوحيد فدخل الناس في دين الله أفواجا حبا ً في هذا الدين العظيم ( الاسلام ) حبا ً في شريعة الرحمن جل في علاه ، وحبا ً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت دعوته صلى الله عليه وسلم فيها اليسر وفيها السماحة مصلحة لكل زمان ومكان حيث فال فيه رب العالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء الآية : 107. أرسل الله تعالى رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليرشد الناس إلى صراطه المستقيم وحبله المتين ، فدعا قومه إلا أعظم أمر جاء به بل هو زبدة دعوته صلى الله عليه وسلم ألا وهي توحيده جل في علاه (وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون) سورة الذاريات56) ، فأرشد قومه إلى عبادة الله تعالى ونبذ كل ما يعبد من دون الله . وكان يتحمل أذى قومه له صلى الله عليه وسلم بأبي هو أمي حتى أقرب الأٌقربين له آذوه ومازال يدعوهم ويرشدهم فاستجاب له من أراد الله له الخير وسولك الصراط المستقيم ، وعاداه ورفض دعوته من سلك سبيل الغواية والشيطان فأرداه إلى مسالك الردى فخسر الدنيا والآخرة ( ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج الأية : 11 . عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه قال : ( رأيت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول : يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب . فقلت : من هذا ؟ قالوا : غلام بني عبد المطلب ، فقلت : من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة ؟ قالوا : هذا عبد العزي أبو لهب ) .( الصحيح المسند للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى ص516 ) فكانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم مثالا ً يحتذى بها ويتأسى بها كل من أراد السير على طريقته وسنته صلى الله عليه وسلم ومن أحب النبي صلى الله عليه وسلم الحب الحقيقي الايماني يسير على نهجته ويستن بسنته ففيها الفلاح والنجاة في الدارين ( وإن تطيعوه تهتدوا ) سورة النور : 54 . ففي حقوق المرأة تتجلى عظمة الاسلام وعظمة نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم حينما دعا لاحترام المرأة وعدم ظلمها ، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم . فأين من يقول كذبا ً وزروا ً أن المرأة مظلمة ومسلوبة حقوقها ، فهذا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يوصي بالنساء خيرا ً وعدم ظلمهن وشبههن بالأسيرات لضعفهن . ولونظرنا في حقوق الكبير والصغير والمرأة والرجل والأجير والأقرباء واليتيم والفقير والجار وحتى الحيوان لرأيتها محفوظة ويوصي شرعنا الحكيم بامتثال الأخلاق الحسنة ويدعو إليها في التعامل مع المسلمين بعضهم مع بعض وحتى البهائم العجماوات دعا النبي صلى الله عليه وسلم بحسن التعامل معها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) رواه الترمذي . وقال عليه الصلاة والسلام : (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وشبك بين أصبعيه . رواه مسلم . عن أبي هريره رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم اني أحرج حق الضعيفين, اليتيم والمرأه ) رواه أحمد وابن ماجه . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ) رواه الترمذي وصححه الألباني . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل يا رسول الله من؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه " والبوائق هي الشرور والآثام والإيذاء . وفي رواية للإمام مسلم : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " . روى أبو داود وابن خزيمة عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ (أي ظهر عليه الهزال من قلة الأكل), فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ! فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً . صححه الألباني في مشكاة المصابيح . ومعنى المعجمة ، قال في القاموس : أي التي لاتقدر على النطق . هذا هو الاسلام فما أعظمه من دين شامل وكامل ولذلك لايقبل الله من أحدا ً دينا ً سواه ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا ً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران : 85 . دين بهذا الشمولية وهذه الرحمة حق أن ينتسب إليه وأن يعمل بشرائعه وأن يلتزم بتعاليمه والسير على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم فليبشر بالفوز والفلاح وبرحمة رب العالمين ودخول جنات النعيم . ومازاغ من زاغ ومن ألحد من ألحد وتنكب عن الصراط المستقيم إلا بالابتعاد عن تحكيم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فأصبح من الخاسرين أصبح من النادمين يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم . قال تعالى : ( ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ، قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ، إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ) المؤمنون : 105- 106- 107- 108- 109- 110-111 . والحمد لله رب العالمين .