عندما يكتب الشخص عن رجل عظيم فإن القلم يتردد و يحار , وتتزاحم العبارات والأفكار , وحينئذ فليس بينهن ثمة إيثار, فكل يسعى لنيل السبق , والسبق لنيل الشرف . رجلنا نشأ في المحراب , وشب فيه وشاب , فهو من سن الخامسة عشرة يؤم المصلين وظل على هذه الحال عدد سنين , تقارب السبعين , رأيته في صحته شاكرا , وفي ابتلائه صابرا, وفي مجلسه ذاكرا , طويل الصمت إلا من خير , ومع كبر سنه , وطول صمته , وحسن سمته , فلا يخلو من دعابة رقيقة يعاتب فيها المصافح أحيانا على طول غيابه وانقطاع اتصاله وما أحسنها من دعابة , وأرقها من ابتسامة , تسحر المحب وتأخذ اللبّ , فما أكثر محبيه , وما أكثر ذاكريه . سريع الدمعة , قوي الفكرة ,ربما قريء عنده القرآن فتدمع عيناه فيقف القاريء ويلتفت إليه متعجبا من موضع بكائه وإذا بالقاريء في واد والمستمع في واد.. حللت في محرابه - وشتان بين السابق واللاحق- وظللت أرمق الفقراء يمنة ويسرة, بين الحين والآخر وكأني بهم يفقدون شخصا كان له عليهم يد بيضاء وعطايا خفية يسد بها حاجة هذا وذاك . لايبخل من القرض الحسن بكثير فضلا عن القليل وهو أمر عرف به , ها قد رحلت الآن (أبا عبدالله شايع بن عبدالله الشايع) رحلت شيخا ووالدا ومربيا, رحلت وقد شهدت جنازتك الجموع , فهنيئا لك تلك الجموع , وهنيئا لك تلك الدموع , وهنيئا لك تلك الدعوات , ودّعت محرابك , ودّعت مجلسك , ودّعت مكانك المعهود في صلاة الجمعة, ودّعت أسلوبك المعروف في تذكير الناس بالذكر عقب الصلاة, ودّعت أحبابك وأودعت في قلوب الناس حبك , وذكرك الحسن . نحسب أنك كنت على خير ونرجو أن تكون الآن في خير, تجني ما زرعت من خير رفع الله قدرك , وأعلى ذكرك, وغفر ذنبك ,ووسع قبرك, وجمعنا بك في جنات النعيم اللهم آمين سامي بن محمد الخميس