ذات يوم عندما كنت أسير في الطريق مررت بإحدى المكتبات الكبيرة فإذا بعقلي يحثني على دخولها واستجابت جوارحي ، على أمل أن أجد جديد أخذت أتجول بين رفوف المكتبة ، هذا كتاب قديم ، وهذا جديد ولكنة قديم ، هذا فكرته مكررة وهذا سطحي ، بين هذا وذاك لمحت عنوانا جعلني أتسمر في مكاني أخذت أحدق به بلا حراك وكأنني خائفا من أن يؤذيني كتاب ! واستجمعت شجاعتي وحملته لم اصدق ناظري أهذا هو الذي كنت ابحث عنه منذ سنوات ولم أجده ؟ _ كتاب عن علم الكتابة والقراءة _ هل هذا حلم يتكون من جديد ؟ بعد أن غادرني إذ به يظهر كشروق الشمس بعد ظلمات الدجى ، وبسعادة غامرة تصفحت الصفحات وعاينت الطبعة والإصدار وضممته إلى صدري فرحا ، وبلا تردد أخذته إلى المحاسب ودفعت ثمنه لا اذكر ثمنه فقد اعطيتة المحفظة بأكملها فأخذ ما يريد أو سرق ما يريد ! في هذه الأثناء كنت لا استطيع أن ارفع ناظري عن العنوان والغلاف وكأنني خائف من أن ابعد ناظري عنه فيتحول إلى سراب ، بسرعة ذهبت إلى البيت فلست ممن يستطيع القراءة في أي مكان ، لي طقوس خاصة ووقت محدد ولكنني خرقت هذا " التابو " وقرأته في الحال وبسرعة ، وأخذت أتصفح العناوين فرحا كطفل أخذ لعبته الأولى . ألسنا هواة في كتابة الادب ؟ نعم ، لا زلنا اطفلا في مواجهة الادب . أخط على هذا وأُعقب على هذه ، أدون ملاحظات في الهامش _ فأنا ممن يقتنعون بأن القراءة ثقافة _ وكالمجنون اعلق على هذا السطر ، ينتهي القلم فأرمي به من فوق رأسي للخلف واختطف الآخر وعلى هذا الحال استمر . ما أروع أن تمتلك شيئا حلمت به منذ زمن ، ما أجمل أن يتحقق جزء من حلمك فما بالك بالحلم كله ، عندما تريد شيئا وترغب به بشدة ثم يخيب ظنك وتنسى مع الزمن ولكن فجأة يخرج لك عائدا حاملا رائحة السنوات على صفحاته بطبعة قديمة تفوح منها رائحة الزمن وقد طبعت السنين على غلافية لمسة التراث . ما هي الثقافة ؟ ولأجيب عن معناها أتطرق لقصة فيها " سألت صاحبي وأنا أحدثه عن الثقافة : أهي المعرفة؟ قال: لا. أردفت: أهي العلم؟ قال: لا. قلت: أهي الحضارة أم هي المدنية أم العقيدة أم التاريخ أم العادات والتقاليد والأخلاق أم الأفكار والفنون والآداب ؟ ، وكان جوابه دائماً بالنفي. قلت ما هي الثقافة إذن؟ قال: هذه المفردات بعض مكوناتها " ويبين ابن منظور في " لسان العرب " أن معنى ثَقَفَ: جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم ، وقد عرفها تايلور بقولة : ( الثقافة هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى ، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع ) . الثقافة متضمنةً القراءة والكتابة ليست مراكز ومناصب أو شهرة ومعالِ بل هي إبداع فهي فن ككل الفنون ، أن تقرأ وتتحسس الكلمات وكما قال أستاذي الذي ألهمني نحو حلاوة الكلمات الكبير نزار قباني " وخلاصنا في الرسم بالكلمات ". الكتابة أيضا فن وهي طريقة توثيق الأفكار _ لكي لا ننساها _ والأحداث والتاريخ إلى أشكال ورموز تسمى لغات وقد بدأ الإنسان الكتابة بالرسم كما في اللغة الهيروغليفية ومن ثم تطورت إلى أحرف وكلمات ، ليست كلمات وكفى بل أسلوب وخيال وتلاعب في الكلمات هل جربت يوما نشوة الكتابة ؟ هل جربت يوما أن تتخيل الكلمات أن تتذوقها في فكرك ؟ لا !! إذا جرب . قد يتساءل البعض _ إن لم يكن الكل _ ما أهمية أن أكون مثقفا ؟ وهذا السؤال نابع من عدم إيمان بدور الأدب في بناء المجتمع وبناء الحضارة فالمثقف هو واجهة الأدب ، فالأدب موجود من قبل أن يكون المثقف موجودا ولكن دور المثقف أنه الذي يحركها ، ينشطها ، يفعلها ويعيدها مرة أخرى بعد نسيان وعندما تعود الثقافة يعود الأدب وعندما يعود الأدب نبني صرحنا وحضارتنا وعلومنا معتمدين على أنفسنا وعلى مثقفينا ، وتؤكد وجهة نظري الكاتبة " هيلين غاردنر " في كتابها " دفاعا عن الخيال " الذي نشرته في جامعة اكسفورد ، في الفصل الثاني بالتحديد توضح لنا الكاتبة الرائعة دور الأدب في توضيح المفاهيم ونشر ثقافات غائبة كالحوار والقدرة على الاستنباط وأيضا تعتبر الشعر نوعا من المتعة " وبهذا تؤكد قول الشاعر " ت . س . إليوت " عند تعريفة للشعر بأنه ( ترفيه من نوع راقي ) ، وانتقدت المؤلفة بعض المعاصرين لوصفهم الأدب بأنه عبث ! فالأدب أحد الأنشطة التي تدخل السرور على نفس كل من يهتم به . ستضل الثقافة إبداعا وجمالا لا يدركه إلا من جربه فمن " يرسم " مقالا يتذوق حلاوته عند نشرة ومن ينثر شعرا يعيش أحداثه عند إلقائه وكلهم يحملون رسالة وكلهم جند للأدب . تاجي فكري وسيفي قلمي عرشي كتبي ودرعي كلماتي وأختم مقالي بمقولة الرائع الدكتور محمد الحضيف " وتبقى الكتابة هماً ورسالة ... ". يحيى آل زايد [email protected] مدونتي :