مع انتشار العديد من الأمراض السارية والمعدية على نطاق واسع في مختلف دول العالم خاصة فيروسات الأنفلونزا، ومنها الفيروسات المسببة لأنفلونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير، وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية والذي سجل حتى الآن أكثر من 2110 إصابات و733 وفاة معظمها في الدول العربية، إضافة إلى تزايد معدلات انتشار الجراثيم والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، أصبح من الضروري إعادة النظر في العديد من التدابير والاحتياطات الوقائية من عدوى المستشفيات أو العدوى المصاحبة لتقديم خدمات الرعاية الصحية وكذلك معالجة ظاهرة ارتداء الزي الطبي خارج المنشآت الصحية والتعليمية. ويهدد ارتداء الزي الطبي خارج المستشفيات صحة المجتمع، حيث أكدت العديد من الدراسات تلوث الزي الطبي بالعديد من الفيروسات والجراثيم والبكتيريا وأخطرها بكتيريا (MRSA) المعروفة ببكتيريا المكورات العنقودية أو عدوى المستشفيات المقاومة للمضادات الحيوية. وأكد أطباء مختصون أن العدوى المكتسبة داخل المنشآت الصحية والخروج بها خارج أسوار المنشآت الصحية من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية، حيث تشكل العدوى المكتسبة داخل المنشآت الصحية عبئاً كبيراً على الفرد والمجتمع والدولة بشكل عام، ويعد تطبيق الممارسات السليمة لمكافحة العدوى من أهم سبل ضمان جودة الخدمات الصحية ومنع العدوى داخل المؤسسات الصحية وخارجها. وفي هذا الإطار حذرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع في تعميم أصدرته مؤخراً من ارتداء الزي الطبي خارج المنشآت الصحية والتعليمية للحد من انتشار الجراثيم المسببة للأمراض داخل المرافق الطبية وخارجها واتباعاً للاحتياطات القياسية العالمية لمكافحة العدوى وذلك استناداً للتحذيرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والمنظمات العالمية المعنية بالأمراض المعدية. وطالبت الوزارة مديري المناطق الطبية والمنشآت الطبية الحكومية والخاصة وعمداء الكليات الطبية اتخاذ الإجراءات المناسبة لتطويق ظاهرة ارتداء الزي الطبي خارج المستشفيات والحد منها نهائياً لوقاية المجتمع من الأمراض المعدية. ممارسات سلبية وأكد الدكتور أمين حسين الأميري وكيل وزارة الصحة المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص أن فرق التفتيش التابعة للوزارة رصدت تكرار ممارسات سلبية وهي قيام البعض من ممارسي المهن الصحية والدارسين في المجال الطبي بالخروج من أماكن العمل أو الجامعات بالزي الطبي حيث أصبح ممارسة للتباهي في الأماكن العامة كالمساجد والأسواق والمؤسسات التربوية والبرامج واللقاءات التلفزيونية والمؤتمرات والندوات خارج نطاق المنشآت الصحية والتعليمية، لافتاً إلى أن المعاطف البيضاء الطبية وبحسب بحث المجلة الدولية لعلم الجراثيم لديها تاريخ طويل من كونها رمزاً للأمل والشفاء ومع ذلك هناك قلق متزايد من أن تلك المعاطف قد تلعب دوراً كبيراً في نقل العدوى داخل المنشآت الصحية وخارجها. وبيّن الدكتور الأميري أنه على الرغم من صدور تعاميم سابقة في أعوام 2012 و2014 و2015 في شأن تحديد أماكن ارتداء الزي الطبي فقد لوحظ أن البعض من مزاولي المهن الصحية والدارسين في المجال الطبي لا يلتزم بما جاء في التعاميم مخالفين بذلك ما تضمنته من مقتضيات وكذلك مخالفة متطلبات حماية الصحة العامة. وقال: «أصبح من الشائع جداً رؤية المهنيين الطبيين يعلقون معاطفهم البيضاء في سياراتهم ومكاتبهم أو يحملونها في مناطق خارج المنشآت الصحية مما يزيد من فرص انتشار الميكروبات والفيروسات المسببة للأمراض»، مشيرا إلى أن كثيراً من السلالات الجرثومية قد تكون سلالات مقاومة للمضادات الحيوية مثل المكورات العنقودية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) التي قد تنتشر من المستشفى إلى المجتمع والعكس بالعكس، وسيكون من الصعب جداً علاجها. وتابع: إنه سيتم النظر في إصدار دليل توجيهي يضبط أي سلوك خاطئ يؤدي لانتشار الأمراض داخل المرافق الصحية وأماكن الدراسة وخارجها. وقاية المجتمع وأشار الأميري إلى استراتيجية وزارة الصحة نحو تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة بطرق مبتكرة ومستدامة تضمن وقاية المجتمع من الأمراض والقيام بالدور التنظيمي والرقابي في القطاع الصحي من خلال منظومة تشريعية صحية متطورة ومتكاملة. وأوضح أن من مسؤولية الوزارة توجيه المنشآت والمرافق الصحية الحكومية والخاصة والمنشآت التعليمية تحرياً للسلامة العامة ووقاية المجتمع من الأمراض، مؤكداً ضرورة التقيد بضوابط ارتداء الزي الطبي وعدم استخدامه مطلقاً خارج نطاق أماكن العمل أو الدراسة لتفادي انتقال العدوى والحفاظ على الصحة العامة في المجتمع. توعية وتثقيف بدوره أكد الدكتور عبد الناصر كامل استشاري الأمراض الصدرية والباطنية ورئيس لجنة الأمراض المعدية في «ميديكلينيك أبو ظبي»، أن ملابس مقدمي الرعاية الصحية بدون شك ناقلة للفيروسات والأمراض المعدية، حتى الملابس العادية يمكن أن تكون ناقلة للفيروسات والبكتيريا ولكن بصورة أقل من ملابس مقدمي الرعاية الصحية أثناء العمل، لافتاً إلى أن نتائج دراسات أميركية وأوروبية أكدت أن الزي الطبي يحمل جراثيم أكثر بنحو 9 أضعاف من الأزياء العادية، منها جراثيم وبكتيريا صعبة جدا ومقاومة للمضادات الحيوية ويمكن أن تسبب عدوى والتهابات خطيرة خاصة بين الأطفال أو كبار السن أو الأشخاص ضعيفي المناعة. وأشار الدكتور عبد الناصر إلى أنه يلاحظ وجود ممرضات وفنيين يخرجون إلى الشارع ويستخدمون وسائل النقل العام، بل ويتجولون في مراكز التسوق وهم بملابس العمل وهو أمر فضلا عن خطورته فإنه غير مريح للعين، لافتاً إلى أن هذا الأمر يحدث بحسن نية في الغالب أو للتعبير عن الفخر بمهنة الطب أو التمريض ولكن يجب أن تعالج مثل هذه الأمور بمزيد من التوعية والتثقيف.من جهته، قال شافي محمد، مدير إدارة مكافحة العدوى والوقاية منها في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: «في إطار نهجه الذي يركز على فلسفة»المريض أولاً«، يلتزم مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي بالحفاظ على أعلى معايير النظافة وسلامة المرضى في جميع الأوقات، ولهذه الغاية، لا يُسمح لموظفينا بارتداء زي العمل الرسمي خارج المستشفى. أسس جديدة وترى الدكتورة ياسمين ماهر رئيس قسم الأشعة والمدير الطبي لمستشفى ميديور انترناشونال في العين أن الزي الطبي عادة ما يكون مريحا ومناسبا للحركة ويسهل تغييره مما يجعله الاختيار المفضل للكادر الطبي داخل وخارج إطار العمل، لكن مع ظهور وانتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وتعريضها لحياة الكثيرين للخطر، بدأت كافة المنظمات العالمية المعنية بنقل العدوى بوضع أسس جديدة للحد من نقل الأمراض المعدية من وإلى الكادر الطبي والمرضى على حد سواء، حيث لا تقتصر على أهمية غسل الأيدي للكادر الطبي، بل تشدد على أهمية تغيير الزي الطبي قبل وبعد دخول غرف العمليات وأقسام العناية المركزة لحديثي الولادة، والأطفال والبالغين وغرف العزل. وأضافت: بالطبع يمكن للزي الطبي نقل العدوى من وإلى المرضى، وتكمن المشكلة في أن بعض أفراد التمريض والفنيين وحتى الطلبة بالجامعات الطبية يلبسون زيهم خارج إطار العمل في المؤتمرات، والمساجد، وحتى في المطاعم والأسواق العامة مما يجعلهم عرضة لنقل البكتيريا من وإلى الزي الطبي وبالتالي إلى المرضى عند عودتهم للعمل داخل المستشفيات. رمزية ودعا الدكتور ياسر طاهر استشاري ورئيس قسم الجراحة بمستشفى ثومبي في عجمان الأطباء إلى التقيد بارتداء الزي الطبي داخل المرافق الصحية، لأنه قد يكون عرضة للتلوث بالجراثيم في حال ارتدائه في الأماكن غير المخصصة للعمل، وبالتالي نقل العدوى من الأطباء إلى المرضى خاصة المرضى المنومين داخل المستشفيات، فتزداد حالاتهم مرضاً، مبينا أن الطاقم الطبي بالقسم ملتزم بارتدائه داخل العيادات فقط. بدوره قال الدكتور عصام عطا المدير الإداري لمستشفى ثومبي في عجمان إن للمعطف الأبيض تاريخاً ظهر في القرن التاسع عشر من قبل الأطباء ليميز ممتهني الطب عن المشتغلين بالعلاج بالدجل والتي كانت منتشرة وقتها. وأضاف أنه تم إلزام كافة الطلبة الذين يدرسون بكلية الطب بجامعة الخليج الطبية بارتداء المعطف الأبيض بمجرد انخراطهم في الدراسة، حيث يعتبر ارتداؤه منذ البداية بمثابة التزام الطالب بمهنة الرعاية الصحية ومسؤولياتها وواجباتها وأعرافها، لافتاً إلى أنه التزاماً برمزية المعطف الأبيض وما يحمله من معان، فيجب تقيد جميع مزاولي المهن الطبية والدارسين في المجالات الطبية بارتدائه داخل المرافق والمؤسسات الصحية والتعليمية فقط، لأن الخروج به إلى الأماكن العامة سيساعد على انتشار العدوى والأمراض سواء داخل المرافق الطبية أو من المرافق الطبية لخارجها ما يهدد صحة عدة فئات من الناس. 20 تؤكد الإحصاءات الصادرة عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية CDC الأميركي، أن واحداً من بين كل 20 مريضاً يصاب بعدوى المستشفيات نتيجة تلوث معاطف الأطباء، وأعضاء هيئات التمريض، ومقدمي الخدمة الصحية، وأقنعة الوجه وأغطية الفراش بالجراثيم. وأفاد التقرير السنوي لدائرة الصحة في أبوظبي أن إصابات الإنفلونزا خلال عام 2016 ارتفعت بصورة ملحوظة إلى نحو 6774 إصابة مقارنة ب 2847 إصابة في العام 2015. 15% يؤكد خبراء الصحة العالمية أن العدوى المرتبطة بالرعاية الصحية تعتبر من الأحداث السلبية الأكثر تواتراً، والتي تهدد سلامة المرضى في جميع أنحاء العالم. وقالوا إن نحو 5 إلى 15% من المرضى في مستشفيات العناية الفائقة في البلدان المتقدمة يكتسبون عدوى مرتبطة بالرعاية الصحية في أي وقت من الأوقات، كما أن خطر اكتساب عدوى في البلدان النامية أعلى ب2 إلى 20 ضعفاً. 44% أكد باحثون أن نحو 44% فقط من الأطباء والكوادر الطبية والتمريضية يلتزمون بالمداومة على غسل الأيدي، بينما تصل طموحات مؤسسات مكافحة العدوى في المستشفيات ومنظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التزام ما لا يقل عن 95 % من الكوادر العاملة بالمؤسسات الصحية بغسل الأيدي بصفة دائمة. وأشار الباحثون إلى ضرورة تدريب الكوادر الطبية ومقدمي الخدمة الصحية في المستشفيات، وكذلك المرضى ومرافقيهم، على عملية غسيل الأيدي بالطريقة والإجراء الصحيح. 65% قالت منظمة الصحة العالمية إن إقليم شرق المتوسط التابع للمنظمة لديه واحد من أعلى تواترات العدوى المرتبطة بالمستشفيات في العالم، حيث تم الإبلاغ عن انتشار للعدوى المرتبطة بالمستشفيات في العديد من البلدان في الإقليم يتراوح بين 12 إلى 18%. وأكدت دراسة فرنسية أن ملابس الطاقم الطبي تبدو حافظة وناقلة للجراثيم والبكتيريا، إذ بينت النتائج أن 65% من محتوى ملابس الممرضات محملة بالجراثيم والبكتيريا، و60% من ملابس الأطباء ملوثة بالجراثيم، وتكمن خطورة الجراثيم في ملابس الإطار الطبي في نقل العدوى ومزيد من الأمراض للمرضى. وأصدرت المملكة المتحدة قانوناً عام 2008 بمنع جميع الأطباء من لبس المعطف المختبري خارج المنشآت الطبية بشكل قاطع للحد من نقل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، كما أصدرت قانوناً بمنع لبس أي شيء بعد الأكمام كالخواتم، والحلي والساعات لمنع نقل العدوى 96 % من هواتف العاملين في القطاع الصحي تحتوي على بكتيريا تنتقل مسببات العدوى في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية بطرق شتى ومن مصادر متنوعة مثل الهواء والماء والغذاء، والأسطح ومن المرضى أنفسهم، والطواقم الطبية، والزوار، وعمال النظافة، والأدوات والأجهزة. وتشكل الأدوات والأسطح مصدراً أساسياً في نقل العدوى وقد أظهرت دراسة عالمية حديثة أن 96% من هواتف العاملين في القطاع الصحي تحتوي على جراثيم وبكتيريا وكانت نسبة مقاومة المكورات العنقودية للميثسيلين المعروفة باسم (MRSA) مرتفعة حيث بلغت 28%. وبينت دراسات أخرى أن أقلام الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي أيضاً تحتوي على نسبة عالية من الميكروبات إضافة إلى لوحات المفاتيح الخاصة بالأجهزة الطبية وشاشات العرض التي تعمل باللمس والكثير من الأجهزة التي لا يمكن تطهيرها بسهولة تشكل مكاناً ملائماً لالتصاق الجراثيم وتكاثرها. وتكمن خطورة الجراثيم في ملابس الكادر الطبي في نقل العدوى ومزيد من الأمراض للمرضى، مثل عدوى الإصابة بفيروس (MRSA)، وهو نوع من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وتنتشر عادة بين المرضى في المستشفيات. وبدأت المستشفيات في الدول المتقدمة بإلزام الطواقم الطبية بتغيير ملابسهم يومياً، أو استبدالها خلال اليوم الواحد، في حال كانت مدة العمل طويلة. فيما تم الإعلان مؤخراً عن تصنيع أول نوع ملابس للممرضات والأطباء من أقمشة مضادة للسوائل والبكتيريا تحتوي على طبقة عازلة تمنع اختراق السوائل لها، وبالتالي تبقى نظيفة. وتساعد هذه الملابس المضادة للسوائل على الحد من انتقال البكتيريا بين المرضى، وبالتالي الحد من عدد الإصابات داخل وخارج المستشفيات. المصدر : البيان الامااتية