أكد سوق عكاظ الذي يعيش نسخته ال 11 لهذا العام أنه أكبر تجمع ثقافي وتجاري كان يُعقد في جزيرة العرب، يطرح فيه الشعراء شعرهم، ويتبارى الخطباء بنثرهم، وتعقد اجتماعات في السياسة والاجتماع والأدب وتعرض فيه أنفس أنواع البضائع، كما امتاز بنوع من الترتيب المتقن، فقد كانت كل قبيلة تتخذ لها موقعاً من السوق، وغالباً ما تشرف على فعاليات ومجريات السوق شخصيَّة مرموقة من زعماء أو وجهاء القبائل . ويأتي إحياء السوق بعد انقطاع 13 قرناً بمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز عندما تولى مسؤوليات إمارة المنطقة ليكون السوق أحد أهم مخرجات الاستراتيجية التنموية للمنطقة لتنطلق أول دورة للسوق في عام 1428ه ، ثم تشرف عليه حالياً الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في اطار المحافظة عليه كمكان ليس فقط لإنشاد الشعر فحسب، بل موسماً أيضاً اجتماعياً قبائلياً له دوره السياسي والاجتماعي الكبير . وأوضحت مصادر أدبية أن سوق عكاظ سمي بهذا الاسم لأنّ العرب كانوا يتعاكظون فيه أي يتفاخرون ويتناشدون الشعر فيما بينهم، ومن أبرز مظاهره أنه مثل عكاظ لقبائل العرب منبراً ثقافياً إعلامياً يجتمع فيه شيوخ القبائل بعشائرهم وتعقد فيه مواثيق وتنقض فيه أخرى، ويتم فيه تبادل الأسرى وافتداؤهم، والصلح وإنهاء العداوات وإعلان الأحلاف إلى جانب أنه كان مضماراً لسباقات الفروسيَّة والمبارزة وسوقاً تجارياً واسعاً تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن، ومنتدى تطلق فيه الألقاب على الشعراء والفرسان والقبائل وغير ذلك . وكانت تقال بين جنبات سوق عكاظ الخطب التي ينصت الناس إليها، ويعتبر السوق مجلساً للحكمة تحفظ فيه الحكم وتسير بها الركبان ويتمثل بها الناس ويرتاده الخطيب والشاعر والبعيد والقريب والمسافر والزائر والخائف والآمن والكبير والصغير والطفل والشاب والشيخ والمسن من المعمرين، وسجل التاريخ لعكاظ على أنه مسرحاً كبيراً يتسع لجميع الفعاليات في الحياة العربيَّة، فكم من أحداث وقعت في هذا السوق، وسُجلت على صفحات التاريخ ، وكم من مواقف شهدها عكاظ تؤكد زعامته لبقيَّة أسواق الجزيرة العربيَّة . ويعد سوق عكاظ من أشهر الأسواق عند العرب قديماً، حيث كانت العرب تتوافد إليه في العشرين يوماً الأولى من أيّام شهر ذي القعدة وكان مكاناً تباع فيه البضائع، وتنتشر فيه الآداب حيث يتوافد الشعراء إليه من كلّ حدب وصوب ليلقوا قصائدهم أمام الناس بهدف التباهي والتفاخر، واستمر في عهد النبوة وصدر الإسلام أيام الخلفاء الراشدين وزمن بني أمية، حتى سنة 129ه ، حيث ثار الخوارج ونهبوه، وقد تأثر سوق عكاظ بتوسع الدول الإسلامية وانتقال مراكز الحضارة من الحجاز إلى دمشق ثم بغداد، حيث المدن الكبيرة، وبدأت الحياة الجديدة في الشام والعراق ومصر تجذب الناس إليها مع الاهتمام بالفتوحات مما أضعف الحاجة لسوق عكاظ ودوره التجاري خاصة . ويقع سوق عكاظ في مدينة الطائف على سهول منبسطة يحيط بها عدد من الأودية والجبال على مساحة تُقدر ب10.572.800م على بعد 45 كم شمال شرقي مدينة الطائف ، وقد حظي منذ إحيائه خلال السنوات الماضية باهتمام القيادة الرشيدة مسجلاً التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- اهتمامه الدائم بالفكر والثقافة والعلوم والإبداع ورعايته للثقافة والمثقفين والأدب والأدباء والفكر والمفكرين فضلاً عن عنايته بالماضي والتراث الوطني وتوجيهه بالمحافظة عليه . وشهد سوق عكاظ منذ أن كان فكرة حتى انتقاله إلى حقيقة ملموسة تتطور كبيراً بتضافر جهود الوزارات والهيئات والمؤسسات المشاركة في إعداده وتنظيمه، وحرص الأدباء والمثقفون والمفكرون على المشاركة في فعالياته والتنافس على جوائزه وتوافد المواطنون والمقيمون على ارتياده والاطلاع من نافذته المفتوحة على آفاق الماضي والحاضر والمستقبل، وأصبحت جوائز سوق عكاظ من أهم الجوائز منافسةً على مستوى الوطن العربي نظراً للقيمتين المعنوية والمادية لها، إذ تبلغ قيمة مجموع الجوائز والمسابقات 2.470.000 ريال . وتضم جوائز ومسابقات سوق عكاظ " 13 " جائزة ومسابقة تغطي مساحة واسعة من الإبداع في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي جائزة عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح "شاعر عكاظ" وجائزة عكاظ الدولية للحرف والصناعات اليدوية وجائزة عكاظ الدولية للخط العربي وجائزة عكاظ الدولية للسرد العربي في القصة القصيرة وجائزة عكاظ للابتكار وجائزة عكاظ للتصوير الضوئي ومسابقة شاعر شباب عكاظ ومسابقة عكاظ للفنون الشعبية ومسابقة عكاظ لفنون الأطفال الشعبية ومسابقة عكاظ للإبداع المسرحي ومسابقة عكاظ للفنون التشكيلية "لوحة وقصيدة" ومسابقة عكاظ لريادة الأعمال . وتشهد فعاليات سوق عكاظ تنوعاً شمولياً تتناسب مع كافة الفئات العمرية لزوار السوق كل عام، حيث يقدم السوق في جانب الإثراء المعرفي والإبداعي برامج ترفيهية ثقافية متنوعة تحاكي الماضي وتواكب الحاضر وتستشرف المستقبل ، ويمنح الزائرين والضيوف برنامجاً ثقافياً ثرياً متنوعاً بين المحاضرات والندوات والأمسيات الثقافية والأدبية والشعرية والعلمية بمشاركة نخبة من المثقفين والأدباء والمفكرين والشعراء السعوديين والعرب .