توصل العلماء الذى يعكفون على سبر أغوار طبيعة ضديد (قرين) المادة إلى قرائن جديدة تفسر سبب أن الكون ليس مجرد خواء على الرغم من أن هذه الشواهد ليست كافية لشرح نشوء مليارات المجرات المتناثرة فى الكون السحيق. ولكل جسيم أولى من الجسيمات دون الذرية ضديد أو قرين له نفس الكتلة لكنه يختلف معه فى الشحنة وعند التقائهما فى ظروف معينة يمحق أحدهما الآخر بالتبادل لتنتج الطاقة فى صورة أشعة جاما أو بوزونات. ويعتقد العلماء أن كميات متساوية من المادة وقرين المادة انبثقت مع الانفجار العظيم الذى نشأ عنه الكون قبل 13.7 مليار عام. إلا أنه فى غضون ثانية من حدوث الانفجار العظيم صار قرين المادة فى حكم العدم. ولابد أن عملية المحق أو التلاشى - التى تمخض عنها كون به فائض من المادة التى تكونت منها النجوم والأرض ومختلف الأجرام المعروفة - قد حدثت نظرا لوجود فروق طفيفة بين المادة وضديدها. وقال العلماء أمس إنهم رصدوا فرقا ضئيلا خلال تحلل جسيم ما إلى مادة أو قرينها أثناء عمليات التصادم التى تحدث فى مصادم الهدرونات الكبير بالمختبر الأوروبى لفيزياء الجسيمات المترامى الأطراف والواقع فى منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة عند سفح جبال جورا قرب جنيف وعلى عمق مائة متر تحت الأرض. ويمثل هذا الكشف الجديد المرة الأولى التى تؤكد أن الجسيم المعروف باسم ميزون ينتج عنه جسيم آخر عند تحلله يختلف عنه فى الكتلة كما يتسق مع ما توصل إليه العلماء من خلال تجارب سابقة تختص بجسيمات أخرى. إلا أن هذه الفروق لا تزال ضئيلة للغاية على نحو لا يمكنه أن يفسر توافر المادة بكميات هائلة فى الكون. وتتفق هذه النتائج التى ستنشر فى دورية الفيزياء مع ما يعرف بنظرية النموذج المعيارى التى تم تصميمها قبل ثلاثة عقود من الزمن، وتقوم نظرية النموذج المعيارى التى طرأت عليها تعديلات فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى على الدمج بين ثلاث من القوى الأساسية فى الطبيعة وهى القوة النووية الشديدة**** والقوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية مع الاستعانة بنظرية الكم**** والنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بغية صياغة نظرية متكاملة لسبر أغوار الكون. وتوصل العلماء فى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) إلى هذا الكشف بعد تحليل بيانات من 70 تريليون تصادم فى واحدة من أربع تجارب تجرى فى مصادم الهدرونات الكبير وهو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والأجهزة الإلكترونية المعقدة والحاسبات تكلف إنشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضى إلى 20 عاما. ويضم هذا المصادم أضخم تجربة علمية فى العالم لإحداث تصادم بين حزمتى جسيمات من البروتونات تسيران فى اتجاهين متقابلين وفى مسار بيضاوى داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا وبكم طاقة هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التى أعقبت الانفجار العظيم الذى نشأ عنه الكون. وقال بيرلويجى كامبانا وهو خبير الفيزياء المشارك فى هذه التجربة "من خلال دراسة... هذه التأثيرات نواصل بحثنا عن الحلقة المفقودة فى هذا اللغز". وبعد رصد جسيم بوزون هيجز فى الصيف الماضى يدخل المصادم مرحلة تستمر عامين لإعادة تأهيله بغية مضاعفة قدرته على أمل فتح آفاق جديدة فى علوم الفلك. ويأمل العلماء أن تسهم مضاعفة قدرة المصادم فى إماطة اللثام عن عوالم جديدة فى ملكوت الفيزياء الفلكية والتعرف على طبيعة المادة المعتمة التى تشغل الفراغ المحيط بالكواكب والنجوم والمجرات فيما يرى آخرون أنهم قد يعثرون على جسيمات غير معروفة من قبل أو مؤشرات على أن الكون له أكثر من ثلاثة أبعاد. والمادة المعتمة تعبير أطلق على مادة افتراضية لا يمكن قياسها إلا من خلال تأثيرات الجاذبية الخاصة بها والتى بدونها لا تستقيم حسابيا العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات، ويرجح أن المادة المعتمة تشكل حوالى 27 فى المائة من مادة الكون الكلية فيما تمثل الطاقة المعتمة - التى يعتقد أنها مسئولة عن تمدد الكون واستمرار حركته - حوالى 70 فى المائة من كتلة الكون. 5