فيما انهمك اثنان من التقنيين في فحص الوصلات الكهربائية لمغناطيس عملاق، قال مارك جوليت الباحث في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن» إن مهمتهما تكتسب أهمية بالغة في سبيل الوقوف على الأحداث التي تلت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون قبل 13.7 بليون عام. يشير جوليت الى مصادم الهدرونات الكبير في المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات المترامي الاطراف والواقع في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف، وعلى عمق مئة متر تحت الارض، قائلاً: «عندما تنتهي أعمال التركيبات سنكون على أعتاب كشف جديد في الفيزياء الفلكية». ومصادم الهدرونات الكبير مجمّع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة وأجهزة الكومبيوتر، كلف إنشاؤه 10 بلايين دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 سنة. وأنشئ المصادم قبل 5 سنوات فقط، ولكن بعد كشف الحلقة المفقودة التي تفسر ألغازاً كونية ظلت تحيّر العلماء قروناً يدخل المصادم مرحلة تستمر سنتين لإعادة تأهيله بغية مضاعفة قدرته على أمل فتح آفاق جديدة في علوم الفلك. ويتوقع بعض العلماء ان يتمكن المصادم بعد اعادة التأهيل، من التعرف إلى طبيعة المادة المعتمة التي تشغل الفراغ المحيط بالكواكب والنجوم والمجرات، فيما يرى آخرون أنهم قد يعثرون على جسيمات غير معروفة أو مؤشرات لأن الكون له أكثر من ثلاثة أبعاد. وبعد النجاحات المبكرة التي حققها خبراء الفيزياء التجريبية في «سيرن»، يراودهم الامل الآن في ارتياد عوالم جديدة مثيرة خلال العقد الحالي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يعكف مئات المهندسين والتقنيين على إعداد المصادم لمواصلة أضخم تجربة علمية في العالم لإحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين وفي مسار بيضوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومتراً في مصادم الهدرونات الكبير وبكم طاقة هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التي أعقبت الانفجار العظيم. وبحلول 2015 يكون المصادم قد ضاعف قدرته ليغزو عوالم الجسيمات المكونة للمادة. وركز علماء «سيرن» في تجاربهم على التعرف إلى كيفية نشوء المادة وما اذا كان هناك وجود لما يعرف نظرياً باسم بوزون هيغز، وهو جسيم افتراضي قال عالم الفيزياء الاسكتلندي بيتر هيغز قبل ثلاثة عقود من الزمن انه يساعد على التحام المكونات الاولية للمادة ويوفّر لها تماسكها وكتلتها. وقالت بولين جانيون عالمة الفيزياء الكندية في «سيرن» إن الكشف الخاص بجسيم بوزون هيغز يمثل «اللبنة الاخيرة في صرح مفهومنا للكون» ولمفهوم النموذج المعياري الذي وضع قبل ثلاثة عقود. وتقوم نظرية النموذج المعياري التي طرأت عليها تعديلات في الستينات والسبعينات على الدمج بين ثلاث من القوى الأساسية في الطبيعة وهي القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية، مع الاستعانة بنظرية الكم والنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بغية صَوغ نظرية متكاملة لسبر أغوار الكون.