غزة - تقرير معا - يرقد جسده الذي أنهكه المرض، فيصارع الموت البطيء، ويعيش هاجس الموت في كل يوم خلال 22 عاما, حياته أصبحت معلقة في جهاز غسيل الكلي التي تضخ فيها دماءه، فهو من يعطي الحياة له للاستمرار والعيش. جهاد سعيد عودة (46 عاما) أمضى أكثر من نصف عمره بين أجهزة غسل الكلي والسرير، سئم تواجده عليه , فله زيارة لمستشفي ناصر الطبي بخان يونس جنوب قطاع غزة ثلاث مرات بالأسبوع لمدة ثلاث ساعات يوميا منذ كان في الثالثة عشر من عمرة لذا اعتبر بأنه عميد هذا المرض في خان يونس. لم تقتصر معاناة عودة فقط عند هذا الحد بل هي جزء بسيط مما يعانيه , فهو يعيش مع والدته في بيت يفتقد لأدني مقومات المعيشة, من الصعب أن تسمي ما يعيش به بأنه منزل بل انه شبه منزل "غرفة واحدة وصالة وحمام " هذا هو منزلهم بلا أبواب أو شبابيك قد عفى عليه الزمان ولا ننسي فهو بلا اشتراك للكهرباء فهم يحصلون عليها من بيت الجيران . البيت لا يحتوي على شيء أسمه أثاث يحتوي فقط على بعض الأغراض.. فلا يوجد أي خزانة للملابس وملابسة متناثرة علي الأرض, وبأحد جوانب الصالة تجد زجاجات تحتوي على مياه الشرب, ولا يوجد فراش للجلوس عليه غير بطانية خفيفة وأخرى للتدفئة. ويقول عودة "كل ما أتمناه اليوم أن يكون لي بابا يغلق علي بالشتاء فوالدتي كانت ترتجف اغلب أيام الشتاء فقطعة القماش التي تغطي الباب لا تمنع أي نسمة هواء فكيف بالبرد الذي شعرنا به هذه السنة ولا يوجد لدي مدفئة للتدفئة بها أو حتى بطانيات ثقيلة". قبل بداية فصل الشتاء تقدم أهل الخير ببناء سقف البيت وتبرع احدهم له بتلفاز وثلاجة وان كانت خالية من أي نوع الطعام إلا بعض علب البن والجبن فقط ولكن مازال ينقص البيت الشبابيك والأبواب ومنافع البيت وخاصة بيت الراحة فلا يوجد له أي خصوصية أو إمدادات للمياه. وعن المرض الذي يعيش به عودة يقول " لم أكن اعلم بمرضي فقبل 23 عاما وعندما كان عمري 13 ربيعا , اكتشف الأطباء مرضي بمستشفى المجدل في احدى الزيارات للعلاج, تلقيت الخبر كصاعقة والحمد الله على أي حال ". ويعتبر مرض عودة من الأمراض المنتشرة في قطاع غزة فهو يعاني من التهابات مزمنة بالكلى, ما أدى إلى حدوث قصور في وظائف وعمل الكلى وهو ما يسمي "فشل كلوي " في مراحله النهائية وهو كذلك يعاني حاله صحية سيئة بسبب إصابته بالتهاب فيروس الكبد الوبائي مع فقر الدم وهشاشة بالعظم , الناتجة عن سوء الغذاء وعدم الاهتمام ووضع منزلي السيء . ويتابع عودة " أتعالج بواسطة ديلزة الدم بمعدل 3 جلسات أسبوعيا بوحدة الديلزة بمجمع ناصر الطبي ,وأنا تحت متابعة صحية خاصة بسبب مرضي والأمراض الأخرى التي أتعايش معها ,كما أتناول علاج غالي الثمن وهو علاج التخلص من الفسفور في الجسم ويبلغ ثمنه 1500شيكل يتم جلبه من إسرائيل بصعوبة كبيرة لعدم توفره في غزة واحضره ". ويذكر انه لا يستطيع العمل بسبب الأمراض التي يعاني منها , وانه يعتاش فقط على المساعدات التي تقدمها له الشؤون الاجتماعية ,وحتى المبلغ 750 شيكلا الذي يحصل عليه يتم صرفه في العلاج له ولوالدته على حسب قول عودة . معاناة الأم والدة عودة التي تعدى عمرها الثمانين عاما تعاني من عدة أمراض وتقول " لدي أربعة أبناء وخمس بنات ,ولقد توفي زوجي منذ فترة طويلة , وقد توفي أيضاً احد أبنائي بسبب إصابته بمرض الكلى والأخر مريض ويعاني منذ فترة طويلة من نفس المرض وأيضاً لي ابن مريض نفسيا ,أما الأخير فوضعه الاقتصادي سيء جدا ويعمل في الانفاق , و بناتي جميعهم متزوجات في مناطق بعيدة عني ويزوروني كل فتره " وأضافت " لا استطيع أن اعمل في المنزل أي شي بسبب تقدمي في السن وإصابتي بأمراض مزمنة تمنعني من الوقوف أيضا وكل أمورنا يتحملها أبني جهاد حتى تجهيز الطعام في حالة تواجده لدينا ,فنحن نعاني كثيرا بسبب الفقر وقلة الموارد المادية ,فكثيرا من الأحيان لا نجد طعاما في المنزل ونعتمد على ما يقدموه لنا الجيران ". وتبين أنها تحزن كثيرا على ابنها جهاد فهو لم يستطع أن يتزوج وهو المسئول الأول عن والدته كما أنها تتألم عليه أثناء تناوله الفلافل أو الفلفل الأحمر عندما لا يكون لديهم طعام فهو يؤثر عليه كثيرا , وتشدد بأنه رغم ما يعانيه من أمراض فهو يحمل في صدره قلب طيب وحنون وصبر وتحمل ولا يشكو لغير الله . المؤسسات الخيرية عودة طرق أبواب العديد من المؤسسات الخيرية والمجتمعية ولكن جميعها أقفلت أمامه أبوابها بحجج عديدة منها انه غير متزوج ولا يوجد لديه أطفال , أو أنها لا تساعد من يحصل على عائد مادي من الشئون الاجتماعية وكأن ما يعطي من الشئون يكفي ويسد حاله , وغيرها من الأسباب . ويتساءل عودة في الختام والحزن يخيم على وجهه عن من يساعد المرضي ومن يقف إلى جانبه وهو المسئول عن نفسه الذي يعاني من الأمراض وأمه الأرملة المريضة .