تعرض لعملية تمثيل شملت قطع الأصابع والقدم اليسرى قبل إطلاق الرصاص على صدره ورقبته. !! ما زال الغموض يحيط بقضية اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس أركان قوات الثورة الليبية؛ ما يضع الثورة برمتها على المحك رغم نجاحها فى إنهاء 42 عاما من حكم معمر القذافى ..من اغتال اللواء يونس؟ ولماذا؟ تساؤلان يطرحهما الشارع الليبى دون إجابة من المسئولين، وكأنهم يخشون الحقيقة. «الشروق» حاولت تقصى الحقيقة عبر استعراض الوقائع التى سبقت وصاحبت الاغتيال، ورغم سرية التحقيقات إلا أننا استطعنا الحصول على تقرير الطب الشرعى وتفاصيل أخرى ننفرد بنشرها فى هذا التحقيق حول الرجل الذى ينتمى لقبيلة العبيدات من «بيت مزين»، وهو من مواليد الإسكندرية عام 1942، وكان يقيم بمدينة بنغازى. تم قبوله فى الكلية الحربية بوساطة من عبدالقادر العلام عندما كان وزيرا للدفاع فى العهد الملكى، عين فى منتصف سبعينيات القرن الماضى آمرا للواء التاسع المرابط شرق طبرق وحتى عام 1979، وكان الحاكم العسكرى للمنطقة الشرقية، ثم عين آمرا للقوات الخاصة بمعسكر «بوعطنى» ببنغازى. تقرير الطب الشرعى كان حصول «الشروق» على تقرير الطب الشرعى هو نواة هذا التحقيق، ولا سيما أن المسئولين كانوا يتكتمون على تفاصيل هذا التقرير؛ لما قد يسببه من تأجيج لمشاعر الانتقام لدى الرأى العام وعائلة اللواء يونس وقبيلته وتلاميذه بالجيش. ووفقا لما جاء فى التقرير الوارد من مكتب المحامى العام لنيابة بنغازى والمحرر بمعرفة وكيل النيابة سعد الشريف، ويحمل رقم 6474 لعام 2011، فقد ورد من المستشفى رقم 19 فى تمام الساعة الحادية عشرة والنصف مساء جثة المتوفى عبدالفتاح يونس فرج العبيدى، وعمره 67 عاما، ومهنته رئيس أركان بالجيش الليبى. التقرير أوضح أنه بتوقيع الكشف الطبى تبين أن الوفاة ناتجة عن نزيف دموى حاد ناجم عن أعيرة نارية نافذة بالرقبة والصدر والفخذ الأيمن، ما أدى إلى إحداث تهتك بالأوعية الدموية وأحشاء الصدر، وقد تم حرق الجثة بعد الوفاة لإخفاء معالمها. أما محضر النيابة العامة لبنغازى، والذى حصلت «الشروق» على نسخة منه، فكشف عن تعرض الجثة لعملية تمثيل شملت قطع الأصابع والقدم اليسرى قبل إطلاق الرصاص على صدره ورقبته. وأظهرت معاينة النيابة أن منطقة البطن كانت مبقورة من أسفل وخرج منها أحشاء الجانب الأيمن من البطن وجزء كبير من العضلات والجلد والطرف العلوى الأيسر، كما أن الجزء السفلى من الظهر مفقود من آثار النيران. ليلة الاغتيال المكان هو «المحور الغربى للجبهة على بعد 17 كيلو من مدينة البريقة»، أما الزمان فالساعة العاشرة والنصف مساء الأربعاء 28 /7/ 2011، حيث كانت الاشتباكات محتدمة وكتائب الثوار تحقق تقدما ملحوظا ينبئ عن قرب تحرير المدينة من كتائب القذافى. كان اللواء يونس رئيس أركان قوات المعارضة على خط الجبهة كعادته، وكان قد انتهى للتو من اجتماع مع كتيبة الصاعقة، التى يرأسها مباشرة، لتنفيذ بعض العمليات. وفجأة جاءه مندوب أخبره بقرار لاستدعائه إلى مركز القيادة بمدينة أجدابيا. فلاش باك عقب إعلان المجلس الوطنى الانتقالى فى بنغازى باتت التقارير الأمنية عن عمليات تطهير ليبيا من فلول القذافى وأتباعه هى شعار المرحلة. وحسبما جاء على لسان رئيس المجلس المستشار مصطفى عبدالجليل فإنه كانت تنهال على المجلس تقارير من هنا ومن هناك منها الصحيح ومنها المضلل وأغلبها كان تصفية حسابات. اللواء يونس ناله جانب من هذه التقارير، وكان أحدها يتعلق بما قيل إنه تقصير منه على الجبهة بعدم توفير أسلحة كافية للثوار، وآخر يدعى إجراءه اتصالات بنظام القذافى. وعندما تعرض مثل هذه التقارير يحيلها عبدالجليل للتحقيق، ويكلف لهذا الأمر المكتب التنفيذى للمجلس الانتقالى لاستيضاح ما بها. وهو ما حدث بالفعل، حيث تم تكليف أحد أعضاء المجلس، وهو السيد على العيساوى، الذى اقترح على أعضاء المكتب التنفيذى إصدار قرار باعتقال اللواء يونس، إلا أن جميع أعضاء المجلس رفضوه، واعتبروه أمرا بالغ الخطورة، فاقترح أحدهم أن يجرى المسئول عن حقيبة الدفاع مزيد من التحقيقات حول هذه التقارير لينفض الاجتماع دون إصدار أى قرار. لكن بتاريخ 25 /7 /2011 أصدر السيد على العيساوى قرارا باسم المكتب التنفيذى حمل رقم (29) لسنة 2011، ونص على تشكيل لجنة قضائية من المستشار جمعة حسن الجازوى، والمستشار عمر عوض الجرارى، وخول هذه اللجنة التحقيق والتصرف فيما يحيله المجلس التنفيذى من قضايا. وفى نفس اليوم صدر أمر من قبل هذه اللجنة بالقبض على اللواء يونس، وإيداعه التحفظ لحين مباشرة الاستدلال والتحقيق بتوقيع من رئيس اللجنة القضائية. كتيبة الإعدام ترك اللواء يونس الجبهة متوجها إلى مقر القيادة، وهناك وجد كتيبة تحتفظ «الشروق» باسمها، مكلفة من قبل اللجنة القضائية، ومعها قوة من 80 مركبة من المسلحين. الكتيبة أبلغته بأنه صدر ضده قرار بالاعتقال، فاتصل بالعيساوى للتأكد من مذكرة الاعتقال، فأخبره بصحتها وطالبه بتنفيذ القرار، فسلم نفسه للكتيبة وليس معه سوى اثنين من معاونيه وبدون حراسة شخصية. ورغم أن عددا من الضباط دعوا اللواء إلى عدم الامتثال لهذا القرار لحين استدعاء رجاله من كتيبة الصاعقة، إلا أنه رفض خشية وقوع معركة دموية قائلا لهم: «أنا ذاهب مع أبنائى ولا مكروه فى هذا الأمر ولا داعى لإحداث بلبلة على الجبهة». الساعة كانت تقترب من منتصف الليل حينما وصلت الكتيبة مع اللواء يونس ومعاونيه إلى معسكر قاريونس فى بنغازى، حيث توجد اللجنة القضائية المشكلة من قبل العيساوى، والتى تولت التحقيق معه. بعد الانتهاء من التحقيق فى تمام الساعة الثانية فجرا، أصدرت اللجنة قرارا بحبس اللواء يونس احتياطيا على ذمة القضية، إلا أن المستشار الجليل فور علمه بالأمر هاتفيا من مدينة البيضاء، طلب منهم إطلاق سراحه ومرافقيه وجعله تحت الإقامة الجبرية بمنزله لحين الوقوف على حقيقة الأمر. لكن عقب خروج الكتيبة من المعسكر محل التحقيق تم التوجه باللواء يونس إلى مكان مجهول، وهناك تم اغتياله ومرافقيه الاثنين، وهما العميد محمد خميس والمقدم ناصر المذكور. المجلس يتخبط فور الإعلان عن مقتل اللواء يونس، سادت حالة من التخبط داخل المجلس الانتقالى، وصدر تصريح من المجلس بأن الجثث الثلاث مازالت مفقودة. كما أعلن المستشار الجليل أن مهاجمين قتلوا اللواء يونس بعد استدعائه من الخطوط الأمامية للمواجهات من البريقة للمثول أمام لجنة من أربعة قضاة كانت تنظر فى العمليات العسكرية، معلنا إلقاء القبض على قائد الخلية المسلحة المسئولة عن القتل. وحينها تم تشييع جنازة الثلاثة بحضور عائلة اللواء يونس وكتيبة الصاعقة وعدد كبير من الكتائب بلغ عددها 15 ألف شخص، ما أثر فى سير المعارك على الجبهة، بل ووصل الأمر لحدوث شق فى صفوف الجيش الذى كان يريد الثأر. العائلة تتدخل مضى شهران على اغتيال اللواء يونس، وحل خلالهما المستشار عبدالجليل الحكومة برمتها بتهمة التقصير والتسبب فى مقتله، وأمر الدكتور محمود جبريل بتشكيل حكومة جديدة، ولكن لم يعلن أسماء القتلة. مرور كل هذا الوقت جعل بركان غضب عائلة اللواء يوشك على الانفجار، لاسيما حينما خرج المستشار الجليل مهددا بتقديم استقالته، إذا خرج الوضع عن السيطرة، ملمحا بوجود جماعات متطرفة تحاول الخروج عن المسار الذى رسمته ليبيا لتطبيق العدالة عبر القانون. كما خرج أحد رموز قيادات الجيش الليبى، وهو اللواء خليفة حفتر، متحدثا عن وجود عناصر متطرفة بين الثوار المقاتلين. «الشروق» مع عائلة اللواء شنت عائلة اللواء يونس هجوما ضاريا على عدد من الكتائب المحسوبة على جماعات إسلامية متطرفة، وعددها 13 من أصل 42 كتيبة للثوار، متهمة إياها بالمسئولية عن تنفيذ قرار الاعتقال والاغتيال. العائلة قالت إن هذه الكتائب لديها أهداف غير معلومة، واستطاعت دخول كتائب الثوار عبر الانضمام إلى اللجان الشعبية والأمن الوقائى، مضيفة أن هذه الكتائب تتبع مباشرة وزير الدفاع، مشددين على أن كل التقارير المرفوعة ضد اللواء يونس ما هى إلا تقارير كيدية لأن توفير السلاح للثوار «ليس من اختصاصه، وإنما من اختصاص وزير الدفاع». وقال طارق نجل اللواء ل«الشروق»: «والدى كانت له شخصية قوية ومؤثرة، ولديه علاقات دولية واسعة، والدليل على ذلك اتشاح ليبيا كلها بالسواد فى تشييع جنازته، وحضور نحو 15 ألف شخص من الجبهة من أفراد كتيبته الذين أرادوا الانتقام لولا حكمة شيوخ القبائل». وأوضح طارق أن آخر اتصال بينه وبين والده كان فى تمام الساعة الثالثة فجرا عندما كان خارجا للتو من التحقيق، وأخبرنى بتعرضه لمؤامرة. طارق أبلغنا بأن القذافى أمر وحدة الصاعقة، التى كان يرأسها والده، عام 1994 بتنفيذ عملية تطهير لجماعات وخلايا إرهابية فى مدينة درنة، ومن الممكن أن يكون لهذا علاقة باغتيال اللواء يونس. القبائل تهدد «درسنا فى أبجديات السياسة أن الدبلوماسية هى أن تأخذ بصمتك ما تريد دون أن تشعر الآخر بالإهانة.. لكن هؤلاء أخذوا اللواء وأهانونا».. بهذه العبارات أكد لنا فتح الله بن على، أحد كبار قبائل «الدرسة»، ثانى أكبر قبيلة فى البرقة، أن الوضع أصبح خارجا عن السيطرة ما لم يتم سريعا الإعلان عن قتلة اللواء. فتح الله أوضح أن اللواء يونس كانت تربطه علاقات وطيدة مع شيوخ القبائل، مشددا على أن «المستشار عبدالجليل مهدد أيضا من قبل هؤلاء المتطرفين الذين يحاولون سرقة ليبيا منا وهذا لن يحدث». وأشار إلى أن نحو 134 قبيلة من غالبية أنحاء ليبيا عقدت اجتماعا عقب مقتل اللواء يونس، و«انتهى بتغليب الحكمة فى هذا التوقيت لتهدئة الجيش والجموع الغاضبة منعا لحدوث انشقاق فى الصف ولكن الصبر بدأ ينفد». ورأى أن «اغتيال اللواء بهذه الطريقة أزال القناع الذى يرتديه المجلس الانتقالى، الذى ثبت أنه يضم أعضاء متطرفين». وهدد فتح الله المجلس فى حالة عدم الإعلان عن قتلة اللواء يونس ب«تنفيذ القانون بأيديهم»، مؤكدا أن تعداد قوتهم «يزيد على 500 ألف رجل ومستعدين لنتف اكبر لحية سواء كانت لمجاهدين أو متطرفين أو من التكفير والهجرة»، مضيفا أن المهلة التى منحتها القبائل للمسئولين حتى انتهاء عيد الفطر قد انتهت. 8 أسئلة القبائل قدمت أيضا مذكرة بها عدد من الأسئلة إلى المجلس الانتقالى، أملا فى الإجابة عنها، وهى: س1 : من يستطيع حماية لجنة التحقيق من الفصائل المتطرفة المنتشرة فى بنغازى، والتى ثبت أن المجلس يستعين بها فى الضبط والإحضار؟ س2:هل اشترك اللواء يونس فى أى من العمليات العسكرية التى شنها نظام القذافى على الجماعة الليبية المقاتلة فى التسعينيات، فتحينوا هذه الفرصة للقصاص منه؟ س3: لماذا صرح المستشار عبدالجليل بأن فلول نظام القذافى هم المسئولون عن عملية الاغتيال؟ هل كان يكذب على الرأى العام أم أنه كان آخر من يعلم بالحقائق؟ س4: لماذا خالف العيساوى رأى المكتب التنفيذى وأصدر قرارا فرديا باسم المجلس وشكل بموجبه لجنة قضائية أعطاها صلاحية المدعى العام العسكرى؟ س5: لماذا كان أمر اللجنة القضائية بالقبض بهذه القوة الضارية؟، وهل كانت هناك احتمالات للقبض على اللواء يونس حتى وإن استدعى الأمر قتالا داخل الجبهة؟ س6: لماذا أسندت مهمة القبض والإحضار لكتيبة تحوى فى داخلها مجموعات كبيرة من المتطرفين الإسلاميين التكفيريين ولم تسند إلى الشرطة العسكرية؟ س7: ما هى أسباب العداوة والحقد فى نفوس أفراد هذه الكتيبة حتى اغتالوا اللواء بهذه الطريقة البشعة؟ س8: وأخيرا هل كان قرار العيساوى وأمر المحققين حكما مسبقا بإعدام اللواء عبدالفتاح يونس لكن تم تغليفه بأمر القبض عليه وإحضاره؟