قائد لواء محاصر من قبل «القاعدة» في أبين منذ شهرين يوجه نداء استغاثة في أول ظهور إعلامي له وبشكل موسع، وفي ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، ومن قلب الحصار المفروض على اللواء 25 ميكا التابع للجيش اليمني والمرابط على مشارف مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين التي استولى عليها تنظيم القاعدة، أجرت «الشرق الأوسط» حوارا بالغ الأهمية عبر الهاتف مع العميد ركن محمد الصوملي قائد اللواء 25 ميكا. ومن قلب المعركة تحدث العميد ركن الصوملي عن الظروف التي يعيشها اللواء تحت الحصار، في وقت تخلت عنه معظم الوحدات العسكرية في قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، وتركته لمصيره يواجه أعدادا كبيرة مدربة ومسلحة تسليحا جيدا من العناصر المسلحة المنتمية إلى «القاعدة» أو المرتبطة بها، وتحدث قائد اللواء عن القدرات التي تملكها «القاعدة»، وأسباب سيطرتها على مدينة زنجبار عاصمة المحافظة، كما تحدث عن ظروف الانسحاب الذي لم يتردد عن وصفه ب«الجبان» للطاقم الأمني والإداري من المحافظة الأمر الذي جعل «القاعدة» تحكم حصارها على اللواء الذي يرفض قائده الاستسلام، ويتعهد بالقتال حتى ولو لم يبق إلا هو حسب تعبيره. ويقول العميد ركن الصوملي إن القتال ضد عناصر «القاعدة» والعناصر المسلحة في أبين مهمة وطنية ودينية لا يمكنه أن يتخلى عنها. وفي الوقت الذي استبعد فيه الصوملي تواطؤ النظام مع «القاعدة» بسحب القوى الأمنية منها، فإنه أكد أن ما تم من انسحاب ينم عن خوف شديد وتردد في مواجهة العناصر المسلحة في أبين. ونفى قائد اللواء أن يكون الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قد أمره بالانسحاب من جبهة القتال حسبما رددت بعض المصادر الإعلامية التابعة للمعارضة اليمنية. وذكر أنه كقائد عسكري يقف على الحياد في الأحداث التي تشهدها الساحة اليمنية. وتحدث قائد اللواء عن دور قبائل المحافظة في محاربة عناصر القاعدة التي يصفها بأنها «خارجة عن الدين والأعراف»، كما تحدث عن الدور الأميركي في هذه الجبهة المفتوحة. وقد أطلق العميد ركن الصوملي نداء استغاثة للقيادة العسكرية اليمنية بسرعة إرسال تعزيزات للواء المحاصر في أبين. وفيما يلي نص الحوار: * بداية. حدثنا عن الوضع العسكري على جبهة القتال مع عناصر «القاعدة» في زنجبار وغيرها من مدن محافظة أبين. - الصراع بيننا وبين عناصر «القاعدة» ليس وليد اللحظة، بل هو صراع طويل، وقد اشتدت المطاردات لهذه العناصر منذ عام حينما بدأنا تعقبهم في منطقة لودر في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، ثم بعد ذلك في مدينة جعار، التي كانوا يتمركزون فيها، وانتهاء بأحداث زنجبار التي بدأت في 25 مايو (أيار) الماضي، حين فوجئنا في اللواء بسقوط جميع الأجهزة الأمنية والإدارية دون أدنى مقاومة تذكر. ومن ثم تسلم تنظيم القاعدة معظم المنشآت والعتاد الذي كانت يتبع تلك الأجهزة الحكومية. وبعد أن تم لهذه العناصر ما أرادت من الاستيلاء على زنجبار والسيطرة على العتاد والمنشآت العسكرية والمدنية، بدأ عناصر «القاعدة» بشن هجوم عنيف وشامل على اللواء 25 ميكا لإجباره على الاستسلام والسيطرة على معداته الحربية، وقد بدأ هذا الهجوم في يوم 30 مايو الماضي، غير أن أفراد اللواء تمكنوا من صد الهجوم الكثيف، وأجبروا هذه العناصر على التراجع إلى قواعدهم التي انطلقوا منها. وفي تاريخ 11–6–2011 كررت «القاعدة» محاولاتها للاستيلاء على المعسكر بهجوم أكثر كثافة، غير أنهم فوجئوا بمقاومة، ما كانوا يتوقعونها، حيث تم قتل العشرات منهم على أيدي أبطال اللواء الذين فضلوا الصمود على الانسحاب وترك أبين لتلك العناصر الخارجة عن الدين والأعراف. وقد انسحبت «القاعدة» بعد فشل هجومها على اللواء مخلفة العشرات بين قتيل وجريح. وقد كان هذان الهجومان هما أكبر المحاولات المبذولة من قبل «القاعدة» للسيطرة على اللواء، ثم بعد ذلك استمروا يمارسون أعمال القنص ونصب الكمائن والهجمات المتقطعة الخفيفة، بعد أن تكبدوا خسائر فادحة في هجماتهم على معسكر اللواء. * من أين في رأيك يأتي الدعم لعناصر «القاعدة» في أبين؟ وما سبب استمرارهم في هذا الزخم على الرغم من الضربات التي توجه لهم؟ - الحقيقة أن الدعم البشري الذي يتلقونه أمر يبعث على الاستغراب، أؤكد لك أننا في مواجهاتنا معهم نقتل العشرات منهم، غير أننا نفاجأ أننا كلما قتلنا منهم عددا كبيرا جاءهم مدد بشري من المحافظات الأخرى. * ما هي هذه المحافظات؟ أعداد كبيرة تأتي من حضرموت ومأرب وريمة والبضاء ورداع ومن صعدة، وعناصر من مصر والسعودية والصومال، ولعلك تستغرب إذا قلت لك إن عدد عناصر «القاعدة» التي تنتمي لمحافظة أبين ذاتها قليل جدا مقارنة بالأعداد الكبيرة التي تأتي من المحافظات الأخرى. وقد وظفت «القاعدة» أطفالا لقتالنا دون سن الثامنة عشرة. هذه عناصر لا أخلاق لها. لقد تواصلت مع منظمات الهلال والصليب الأحمر لإسعاف بعض جرحانا، الذين لم يستطع المستشفى داخل اللواء استيعابهم، وطلب المسؤولون في هذه المنظمات الدولية مهلة للتواصل مع هذه العناصر من أجل تأمين الطريق وضمان سلامة الأطقم الصحية التي ستأخذ الجرحى إلى مستشفيات عدن، ولكن المسؤولين في الهلال والصليب الأحمر عادوا إلينا وقالوا إن المسلحين لم يسمحوا للأطقم الصحية بنقل الجرحى وإسعافهم، وهذا مخالف للدين الإسلامي والأعراف والقوانين الدولية. * حدثنا عن عناصر «القاعدة» إذن؟ من هم؟ وكيف يتحركون؟ وأين قياداتهم؟ - الحقيقة أنك قد تستغرب عندما أقول لك إن هذه العناصر لا قيادة لها، مجاميع شتى من مناطق بل ومن دول مختلفة، همها القتل، تتمسح بالدين، وفيهم من يجهل الدين بشكل كبير. بعضهم من المتطرفين، وبعضهم عناصر قبلية ليس لها هدف، ليس لهم هدف واضح ولا قيادة واضحة، وكثير منهم أطفال مدفوعون بحماس للقتال، وبعضهم تم شراؤهم بالمال. وحتى القيادات المعروفة في أبين، مثل خالد عبد النبي، لدي معلومات بأنه لا يقاتل معهم. * هل لك أن تؤكد خبر مقتل عوض وعائض الشبواني القياديين في تنظيم القاعدة من محافظة مأرب؟ - نعم، تم قتلهما، وأستطيع أن أؤكد لك ذلك، وقد جاءتنا تأكيدات متطابقة من هنا من أبين بقتلهما، كما أنني تواصلت مع بعض الشخصيات في مأرب، لأنني قبل أن آتي إلى أبين كنت في محافظة مأرب، فأكدت لي تلك الشخصيات أن القياديين المذكورين قد دفنا هناك. * ولكن من أين يحصلون على الدعم العسكري؟ من أين يحصلون على الأسلحة؟ - أما الحصول على الأسلحة، فأمر غير محير، بارك الله في زملائنا في الأمن العام والنجدة والأمن المركزي الذين انسحبوا من المحافظة، وتركوا كل العتاد العسكري وراءهم غنيمة سائغة لعناصر «القاعدة»، وهو عتاد ضخم لا تزال هذه العناصر تتحصن به وتشن به هجماتها علينا، بأسلحة زملائنا. * دعني هنا أكن صريحا معك، وكن معي صريحا لو تكرمت: هل تعتقد أن هذه الأجهزة الأمنية التي ذكرت والتي انهزمت أمام مقاتلي «القاعدة» وانسحبت من أبين، هل تعتقد أنها سلمت المحافظة عن تواطؤ مع هذه العناصر ليستطيع النظام اللعب بورقة «القاعدة»، كما تردد المعارضة اليمنية؟ - الأجهزة الأمنية انسحبت من أبين مخلفة أسلحتها وراءها، و«القاعدة» استولت على هذه الأسلحة وهم اليوم يستخدمونها ضدنا، هذا ما لا يستطيع أحد إنكاره. أما إذا سألتني عن الدوافع وراء ذلك فأنا أقول لك «الله أعلم». صراحة أنا لا أريد أن يذهب ظني بعيدا لأتهم زملاءنا بالتواطؤ مع «القاعدة» ضدنا، ولا أشكك فيهم، ولا أتوقع هذا الأمر، ولكن يمكن أن نقول إنه الجبن والخوف الذي أصابهم بعد أن خرج المحافظ ووكلاؤه ومديرو العموم من زنجبار، الأمر الذي أثار الهلع والخوف في نفوس الكثير من أفراد وقيادات الأجهزة الأمنية، ففضلوا الهروب على مواجهة «القاعدة». الحقيقة أن فرار المحافظ ومعه جيش من الوكلاء ومديري العموم والموظفين في زنجبار، جعل حتى المواطنين يغادرون المدينة التي أصبحت اليوم مدينة أشباح، ليس فيها غير عناصر القاعدة وعدد قليل من المواطنين الذين بقوا فيها لحراسة منازلهم تحت ظروف أمنية بالغة التعقيد. * هل معنى هذا أنك تبرئ الأجهزة الأمنية من التواطؤ مع «القاعدة» ضدكم كما تردد وسائل إعلامية معارضة؟ - قلت لك إنني لا أستطيع أن أفهم ما حصل، وقلت لك إنني لا أعتقد أن زملاءنا قد خانونا لصالح «القاعدة»، ولكن التفسير الأنسب بالنسبة لي هو أن الجبن قد أصابهم ففضلوا النجاة وتركونا لمصيرنا. وانسحبوا دون قتال. وإذا كان الأمن العام والنجدة قد قاموا ببعض المناوشات وحوصروا من قبل عناصر «القاعدة»، فإن الأمن المركزي انسحب دون أي مواجهة، وهذا أمر مخجل. * ولماذا لم تلحق أنت وأفراد اللواء بزملائكم وقد ترك المحافظ المدينة وهو المسؤول الأول بها؟ - لا، لا، واجبنا الوطني والديني والأخلاقي أمام الله والوطن وأمام المحافظة لا يسمح لنا أن نتخذ خطوة مثل هذه، هذا نوع من الهروب والجبن الذي لا ترضاه لي أخلاقي العسكرية ولا يرضاه كذلك زملائي من ضباط وأفراد اللواء. وقد اجتمعت مع ضباط اللواء وقلت لهم بالحرف الواحد: لن ننسحب، لن نسلم أسلحتنا ل«القاعدة»، لن يتحدث الناس أننا انهزمنا أمام عصابات مسلحة تتلبس بالدين ولا علاقة لها به. وقلت لهم عن نفسي إنني سأقاتل حتى يأتي فرج من الله أو أستشهد ولو لم يبق معي أحد. وما زال هذا موقفي ولن أتزحزح عنه، وصلنا مدد أم لم يصل. أقول لك هذا اللواء حاجز بين هذه العناصر المسلحة والوصول إلى عدن، ولو ننسحب أو نستسلم فسوف يدخلون عدن اليوم الثاني، ومنها إلى بقية المحافظات، ولك أن تتصور مستقبل البلد إذا سيطرت عليه هذه العناصر الهمجية المسلحة. لا، لن نقوم بعمل جبان كهذا. * ولماذا في رأيك لم تهب قيادة المنطقة الجنوبية، وهي الأقرب إليكم، لنجدة اللواء المحاصر منذ ما يزيد على الشهرين؟ - الحقيقة أن عدم التخطيط والتردد والخوف هو المسيطر على قيادة المنطقة، والمأساة أنه توجهت في الأيام الماضية بعض الوحدات العسكرية لفك الحصار وتزويد اللواء بالمواد التموينية، ولكن هذه الوحدات للأسف الشديد وقعت في كمائن في الطريق، ودارت اشتباكات مع عناصر من «القاعدة» أثناء توجه تلك الوحدات لنجدتنا، الأمر الذي انتهى بهزيمة هذه الوحدات وسيطرة «القاعدة» على كل العتاد العسكري الذي كان مع تلك الوحدات، وكثير من هذا العتاد من الأسلحة الثقيلة. وبدلا من أن يكون خروج هذه الوحدات في صالحنا كان خروجها في صالح «القاعدة». لدينا وعود واتصالات من اللواء مهدي، والمقولة التي تتكرر في اتصالاته: «غدا نكون عندكم»، ويأتي الغد ولا يأتي أحد، عدا بعض الوحدات التي تصل إلى وادي دوفس، مع أنهم قد وصلتهم وحدات من قوة مكافحة الإرهاب إلى عدن. * لماذا لا تريد أن تقول إن هناك تواطؤا ضد اللواء 25 ميكا إذن؟ - لا دليل على ذلك، لا أشك في أحد، نحن نتمنى أن تأتينا تعزيزات عاجلة لنصرة أفراد اللواء، ولكننا لا نريد أن نسيء الظن بزملائنا في القوات المسلحة. ربما لم تصلنا تعزيزات من عدن لخوفهم على عدن نفسها من دخول عناصر «القاعدة» إليها، ففضلوا الاحتفاظ بالقوة في عدن، أنا لا أعرف على وجه الدقة لماذا. الله أعلم. * وماذا عن اللواء علي محسن الأحمر؟ هل تصل إليكم مساعدات من قيادة المنطقة الشمالية الغربية؟ - لم يصل إلينا مدد من أحد إلى الآن. * والقبائل؛ هل ساعدت في التصدي لعناصر «القاعدة» في المحافظة؟ -القبائل تحركت مؤخرا، ولكن ليس بالشكل المطلوب. قبل خمسة أيام تحركت بعض القبائل من مودية ولودر والوضيع، بدأوا يتحركون ويقطعون خطوط الإمداد على عناصر «القاعدة» المتمركزة في مدينة زنجبار. ونحن نريد لهذه القبائل أن تأخذ دورها في الحرب على «القاعدة»، لأن ابن المنطقة يعرف ظروف المنطقة أكثر من القوات النظامية. كما أنهم يستطيعون تمييز المسلحين ويعرفون من أين جاءوا وإلى أي القبائل ينتمون. وهذا يساعد في سرعة التخلص من هؤلاء المسلحين الإرهابيين. * يشاع أن السلطات لم تبادر إلى إرسال المدد لكم لأنكم من القوات التي تؤيد الثورة الشبابية؛ هل هذا صحيح؟ - سبق أن ذكرت لك رأيي في الموضوع. أنا قائد عسكري، لا دخل لي بالمناكفات السياسية بين السلطة والعارضة، أنا مكلف بحماية البلاد من «القاعدة» وغيرها، ولا أتدخل في الشأن السياسي، لي تواصل مع القوات المسلحة التي تسمى بالمنشقة وبالقوات التي لم تنشق، ولي علاقة مع كل الناس حتى مع الشباب، لكني لا أؤيد الثورة، ولست ضدها. * هل لك أن تخبرنا عن حقيقة ما تردد في وسائل إعلام يمنية معارضة من أن رئيس الجمهورية اتصل بك شخصيا عبر الهاتف، وأمرك أن تنسحب وتترك أسلحة اللواء في المعسكر، لغرض إشاعة البلبلة وجلب الاهتمام الدولي بالنظام؟ - لا، لم يحصل هذا إطلاقا، ويشهد الله على ما أقول، لم يحصل أن اتصل بي رئيس الجمهورية ليأمرني بالانسحاب. ولك أن تعلم أنني لن أنفذ اليوم أو غدا أي أمر بالاستسلام. * هل لك أن تحدثنا عن حقيقة الوضع داخل معسكر اللواء 25 ميكا؛ كيف حال معنويات الجنود؟ وماذا عن العتاد والتموين؟ - معنويات جنودنا عالية، ولن نستسلم ل«القاعدة»، وقد قلت لك: والله لو لم يبق إلا أنا لقاتلت وحدي، لا خيار لنا إلا مواصلة قتال هذه العناصر الإجرامية، ولدينا من العتاد العسكري ما يمكننا من الصمود، وإرادة الصمود لدينا أقوى من الأسلحة. المشكلة بالنسبة لنا تكمن في التموين؛ في الماء والغذاء. * وكم عدد الجنود والضباط الصامدين معكم في اللواء؟ - عددهم وشجاعتهم كافية لأداء مهامهم. * وهل تلقيتم أي إمدادات بهذا الخصوص؟ - الأميركيون قاموا بإنزال بعض المؤن عن طريق الجو. * هل يشترك الأميركيون في قتال «القاعدة» معكم إذن؟ - معنا بالتحديد لا. كل ما وصل إلينا من الجانب الأميركي شحنة مواد غذائية، وليس عندي معلومات أخرى. * وماذا عن البحرية اليمنية؟ - قصفت البحرية اليمنية بعض تحصينات «القاعدة» يوما واحدا، لكن المطلوب منا أكثر من ذلك. * هل هناك كلمة أخيرة تريد أن تقولها؟ - نعم، أوجه نداء لقيادة وزارة الدفاع بسرعة إرسال تعزيزات عسكرية وتموينية لنجدة اللواء 25 ميكا، الذي يعد حجر عثرة أمام تقدم «القاعدة» إلى عدن، ونقول لمن يراهن على استسلام اللواء: إننا لن نستسلم وسنقاتل جميعا، ولو لم يبق إلا أنا لقاتلت هذه العناصر حتى الموت.