استطاع فريق علمي بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض من تحديد جين مسؤول عن نمو وانتشار سرطان القولون والمستقيم ، والتمكن من تثبيط نشاطه مخبرياً، ولفتت نتائج البحث المتميزة مصادر علمية محكّمة عالمياً أبرزها المجلة الأمريكية لعلم الأمراض. وكان الفريق العلمي، بقيادة الدكتورة خوله الكريّع كبيرة علماء أبحاث السرطان، قد تمكن من إجراء مسح جيني واسع لعينات سرطانية للقولون من مرضى سعوديين ومقارنتها بعينات طبيعية من القولون والمستقيم، وباستخدام تقنية المسح الجيني لجهاز " الأفيمتركس "، والتي تسمح بوضع أكثر من أربعين ألف جين على شريحة إلكترونية جينية صغيرة ومقارنة نشاط هذه الجينات بين الخلية الطبيعية والخلية السرطانية، وهو ما قاد إلى تحديد جين يدعى FOXM1 برز نشاطه ودوره الفعّال في الخلايا السرطانية عن بقية الجينات الأخرى بطريقة علمية وإحصائية مثبتة عبر الجهاز. وأوضحت الدكتورة خوله الكريّع أن الفريق العلمي لم يكتف بذلك بل نقلوا نتائجهم إلى المستوى الإكلينيكي والمخبري وفحصوا أكثر من 450 مريضا سعوديا يعانون من سرطان القولون والمستقيم ليجدوا أن نسبة المرضى الذين يُظهرون نشاط لهذا الجين يزيد عن 65% ، كما أن هؤلاء المرضى يعانون من سرطان يتسم بشراسة وأكثر قدرة على الانتشار إلى الأعضاء الأخرى. كما قام العلماء بدراسة هذا الجين في المختبر بشكل مفصل ورأوا أن إضافة هذا الجين إلى الخلية يساعد في نموها وتكاثرها بسرعة، إضافة إلى أنه يتحكم بحزمة من الجينات الأخرى مثل MMP9 التي تساعد الخلية السرطانية على التوغل والانتشار إلى الأنسجة المجاورة للسرطان. وبينت الدكتورة الكريّع أن الفريق مضى في أبحاثه المستفيضة فجرى حقن خلايا سرطانية لعدد من فئران التجارب بعد تقسيمها إلى مجموعات للتأكد من دور جين FOXM1 في انتشار سرطان القولون والمستقيم. وقد جرى حقن مجموعة بخلايا سرطانية أضيف لها جين FOXM1، ومجموعة فئران أخرى حُقنت بخلايا سرطانية لا تحتوي هذا الجين، ولوحظ أن الورم السرطاني في المجموعة التي تحتوي على جين FOXM1 ينمو بسرعة قياسية وينتشر بفترة زمنية قصيرة جداً مقارنة بالمجموعة الأخرى مما يُثبت بالفعل دور هذا الجين في شراسة السرطان لدى المرضى المصابين بالمرض. وأضافت أن الفريق البحثي تمكن من تثبيط نشاط هذا الجين مخبرياً عن طريق استخدام مادة كيميائية مقاربة لأحد المضادات الحيوية تُدعى " ثايوستربتون " ولاحظوا توقف نشاط هذا الجين بعد استخدام هذه المادة وفقد الخلية قدرتها على النمو والتكاثر. وبالتالي توصل الفريق إلى أن جين FOXM1 قد يكون هدفاً علاجياً للقضاء على سرطان القولون والمستقيم، ومن الممكن تطوير المادة المثبطة لهذا الجين بأن تصبح علاجاً فعالاً لأنواع سرطان القولون الشرسة.وقد نشرت هذه النتائج في المجلة الأمريكية لعلم الأمراض، وتم اختيار صورة المسح الجيني الذي قام به العلماء لتكون صورة الغلاف لعددها الصادر في شهر فبراير الماضي. كما تم الإشادة بأهمية نتائج هذا البحث وعرضه في The Target Intelligence Service وهي قاعدة معلوماتية دوائية عالمية تُعنى بضم آخر النتائج الطبية والتي قد يكون لها تأثير في اكتشاف أدوية جديدة. وأشار معالي المشرف العام التنفيذي لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور قاسم القصبي إلى أنه نظراً للازدياد المطرد لمعدل الإصابة بسرطان القولون والمستقيم للمرضى السعوديين، حيث أنه يحتل حسب الإحصائيات الأخيرة للسجل الوطني للأورام المركز الثاني في السرطانات الأكثر شيوعاً لدى السعوديين، فإن فرق البحث العلمي في مركز الأبحاث تعمل جاهدة لاستخدام آخر التطورات العلمية والتقنية للكشف عن أسباب هذا السرطان من أجل وضع السبل الملائمة لمكافحته في إطار الأدوار البحثية التي يقوم بها المركز للوصول إلى طرق علمية دقيقة لمحاصرة الأمراض المعقدة والمستعصية. وعبرت الدكتورة خوله الكريّع من جانبها عن سعادتها وفخرها بهذه الانجازات الطبية وقالت : إن الدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه أبحاثنا في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض كان له كبير الأثر في دفع عجلة أبحاثنا إلى مراتب عالمية .. ونعد مرضى السرطان لدينا وخاصة سرطان القولون والمستقيم أنه في القريب العاجل سنكشف النقاب عن اكتشافات علمية ضخمة سيكون لها، بإذن الله وتوفيقه، الأثر الكبير في الحد من هذا السرطان في المملكة، ولكننا نتبع نهج علمي عالمي ولا نعلن عن نتائجنا قبل توثيقها في المجلات العلمية المحكّمة والمرموقة. 5