بعد أن بدأت أصوات الكثير من العراقيين تتعالى في ساحات التظاهر لتحمل المؤسسة الدينية مسؤلية ما جرى ويجري في العراق من كثرة الأزمات الأمنية والسياسية والإقتصادية, حتى وصل بهم الأمر أن يرفعوا شعار " بإسم الدين باكونه الحرامية " وكذلك حملوا لافتات الندم على انتخاب القوائم الكبيرة وبالتحديد قائمتي ( 169 و 555) التي أوجب السيستاني انتخابهما, حاول بعضهم أن يجمل ويلمع صورة مرجعية السيستاني ويبعد عنها المسؤولية التي تتحملها كاملة إزاء تدخلها في الشأن السياسي منذ عام 2003 م وإلى يومنا هذا, فهناك من يقول إن مرجعية السيستاني كان رأيها على نحو النصح والإرشاد, وآخر يقول بما إن دور المرجع هو الجواب على كل سؤال يوجه له, فهكذا كان دور السيستاني, أي إن هؤلاء يقولون إن تدخل السيستاني في الشأن السياسي لم يكن بإرادة أو رغبة منه بل إنه كان يعطي النصيحة ويجيب على ما يوجه له من استفتاءات, وبغض النظر عما إذا كان هذا الأمر هو حقيقي أو لا فالنتيجة واحدة وهي عراق متآكل متهرئ على شفير الإنهيار التام. و في الوقت ذاته نقول لكل من يحاول أن يبعد السيستاني عن المسؤولية, نقول هل إطلعت على مواقف السيستاني منذ عام 2003 والى اليوم, خصوصاً مواقفه التي أصر فيها على إجراء الإنتخابات في حين كان المكون السني في العراق مقاطعاً لها لأنه يعتبرها مشروعاً من مشاريع الإحتلال الأميركي, ومع ذلك أصر السيستاني على إجراء الإنتخابات ليزرع البذرة الأولى في الطائفية السياسية, وكذلك دعمه للقوائم الشيعية الكبيرة على وجه التحديد, وقبل ذلك موقفه الداعم والمؤيد لدستور " برايمر " يضاف لذلك موقفه المساند لكل السياسيين المفسدين خصوصاً المجرم المالكي, كل تلك المواقف لم تكن على نحو الإجابة على سؤال ولم تكن على نحو النصيحة بل هي كان على نحو الفرض وجوب الإلتزام بها, فكان تدخل السيستاني تدخلاً يمثل رغبته وإرادته في رسم خارطة سياسية في العراق تتلائم مع مصالح السياسيين ومن يدعمه من دول إقليمية ودولية ومجاورة. فكان ولا زال تدخل السيستاني في الشأن السياسي العراقي قد حوله من مرجعية دينية مختصة بالفقه – حسب ادعائها – إلى مرجعية سياسية بحته وما يؤكد ذلك هو افتقارها وعدم إمتلاكها لأي موروث علمي ديني فقهي أو أصولي أو عقائدي يدخل في صلب تخصصها الذي تدعيه, بل كل ما صدر منها هو عبارة عن مواقف سياسية جرت البلاد والعبادي لهذا الواقع المزري, فصار السيستاني رجل سياسة وليس رجل دين, مرجع سياسي وليس مرجع ديني, وكما يقول المرجع العراقي الصرخي في المحاضرة السابعة عشر ضمن سلسلة محاضرات تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي ... {{ ... إذا دخلت في السياسة وكنت طرفا فأنت تسلك طريق الفضائيات ، فالفضائيات تأتي بهذا السياسي فيحكي على ذاك السياسي ، وتأتي بذاك السياسي فيحكي على هذا السياسي ويقدح به فإذا رضيت أن تكون طرفا في العمل السياسي في العملية السياسية مع طرف دون طرف آخر في وجوب وإلزام انتخاب هذا وتحريم انتخاب ذاك أصبحت طرفا في العملية السياسية وكما يقال للسياسيين حرية وديمقراطية وحرية رأي فأنت مشمول بهذه الكلية حرية وديمقراطية وحرية رأي لان السياسي الخصم يريد أن يدافع عن نفسه فهو كما يحق له قانوناً دستوراً مجتمعاً أخلاقاً أن يدافع عن نفسه ضد السياسي الآخر أنت صرت سياسيا أيها المرجع فمن حقه أن يدافع عن نفسه باتجاهك يريد أن يربح في الانتخابات ويحصل على مكاسب فماذا يعمل يسقط السياسي الآخر وأنت صرت سياسيا فيعمل على تسقيطك فلماذا تجعل نفسك في هذا النزاع وتقول مرجعية وهيبة مرجعية وقانون المرجعية والحفاظ على المرجعية، فانشغلوا بأمور أخرى ...}}. وهذا ما حصل فعلاً, حيث أوجب السيستاني إنتخاب شخصيات دون أخرى, ودعم قوائم دون أخرى, ووقف مع طائفة دون أخرى, الأمر الذي جعل تلك الشخصيات والقوائم والأحزاب تتمرد على الشعب وتقوم بكل مفاسدها بحجة إنها مدعومة من مرجعية السيستاني, وهذا ما جعل الشعب يحمل هذه المرجعية " السياسية " المسؤولية كاملة, فمثلما قبل السيستاني بالتدخل بشأن العراق سياسياً عليه أن يقبل بما يوجه له من نقد وتحميل مسؤولية, ولا يصح ولا يُقبل منه العذر أو التهرب من هذه المسؤولية, لأن كل من حرك ساكناً أدركه.