اليمن بمسار مغاير تماما لما كان عليه قبل السادس من نوفمبر الجاري , اليوم الذي أُقر فيه مجلس الأمن الدولي حزمة من العقوبات استهدفت الرئيس السابق ( علي عبد الله صالح ) و اثنيين من القيادات الميدانية لجماعة الحوثي المتمردة . ولعل ابرز ملامح هذا المسار أنه للمرة الاولى منذ بدء المرحلة الانتقالية يتميز الرئيس اليمني ( عبدربه منصور هادي ) عن سلفه , فقد كان طوال السنوات الماضية في ظل صالح ومحسوبا على تركته السياسية . ومن المفيد هنا التوقف عند شخصية هادي الذي مزج العسكرية بالسياسة , فهو يمتاز بقدرته على اقتناص الفرص انطلاقا من دهاء سياسي , فقد قفز في الوقت المناسب من مركب رفيق دربه على سالم البيض , وانتقل من اليسار الاشتراكي إلى اليمن الرأسمالي , وبقي كامنا لا يكاد يُبين في منصب نائب رئيس الجمهورية اليمنية بعيدا عن مراهقات صالح السياسية , ليقدم نفسه مع اول ازمة سياسية تعصف باليمن كبديل للفوضى وصمام أمان للوقاية من انهيار الدولة . وبالعودة الى المشهد السياسي في اليمن , وحيث باتت المواقف مكشوفة للجميع وظهر صالح إلى السطح بفعل العقوبات الامريكية التي تعد الدفعة الاولى ضمن سلسلة قد توصله إلى محكمة الجنايات الدولية , فإن على الفرقاء السياسيين قراءة معطيات المرحلة التي سيكون رجلها ( هادي ) بفعل الدعم القوي من قبل واشنطن , الامر الذي يؤذن بتغير الخارطة السياسية في اليمن , خاصة وان استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية على الابواب .وبتحرر هادي من حزب المؤتمر الشعبي العام وتركته الثقيلة , بعد اقالته منه كرد فعل على عقوبات مجلس الامن الدولي , فمن المتوقع أن يؤسس الرئيس اليمن حزبا جديدا يشُق به صف حزب المؤتمر, خاصة وأن له اتباع ومناصرين داخل الحزب , بالاضافة الى استمالة الجنوبيين الذين يتعاطفون مع اول جنوبي يقود اليمن . وفي ظل هذا التغير الدراماتيكي لقواعد اللعبة في اليمن والذي من أبرز نتائجه اضعاف صالح ومعه جماعة الحوثي التي استمثرت اجواء الفوضى التي اشاعها صالح خلال الايام الماضية , فإن الانظار تتجه إلى الجيش الذي حيده صالح عن المشهد اليمني طيلة الايام الماضية بفعل القيادات العليا المولية له , لكن هذا الوضع قد يتغير بعد تعيين اللواء الصبيحي وزيرا للدفاع , وقد كان هذا الاختيار سياسي بامتياز , نظرا للمواقف التي تفرد بها الصبيحي خلال حملة الحوثي العسكرية لا حتلال "إب " . وبالنظر الى ضعف العقيدة لدى الجيش اليمني وتقديم الولاء للاشخاص عوضا عن تقديمه للوطن , فإن مشهد التعيين يبدو شقا لصفوف الجيش والعودة الى مربع مرحلة على محسن الاحمر , حيث كان الجيش منقسما وبشكل عمودي وهذه الوضعية ستمح هادي مزيدا من اوراق القوة في مواجهة صالح والحوثيين , كما أنها ستشكل نواة للجيش جديد بعقيدة مختلفة , وهذا السيناريو كان حاضرا في اروقة مراكز الابحاث الامريكية التي تؤكد أن افضل وسيلة نقل اليمن من موضع الدولة الهشة إلى القوية هي اعادة تشكيل جيشه بمواصفات بعيدة عن الولاءات الشخصية .