لعلي استهل مقالي هذا بالتوصيف الذي قدمه المفكر السعودي الأستاذ إبراهيم البليهي الذي أشار من خلاله الى أن المسلمين يصدرون للعالم ممارسات من القرون الوسط , هذا التوصيف جاء خلال انتشار حوادث القرصنة التي شهدها بحر العرب من قبل مسلحين صوماليين تابعين للقاعدة . وفي الواقع فإن هذا التوصيف ما يزال صالحا للقياس به في الوقت الراهن لا سيما في حق تنظيم داعش الإرهابي الذي سحب البساط من تحت أقدام القاعدة يقدم نفسه بأنه مشروع للخلافة الإسلامية , ساحبا كذلك البساط من تحت حركة الإخوان التي كانت أول من نادى بعودة الخلافة وشرعت في التخطيط لها بشكل ممنهج . تحت ثالوث داعش والقاعدة والإخوان باتت الأمة الإسلامية ترزح متجرعة مرارة هذه التنظيمات الإرهابية التي هي أبعد ما تكون عن روح الإسلام ومنهجه الذي جاء في الأساس لعمارة الأرض , وذلك طبعا بعد استحقاق العبادة التي هي أسمى الغايات من خلق الله للإنسان واستخلافه . وقد كنت قد قررت أن تحدث في هذا المقال عن داعش من زاوية بنيوية هذا الفكر إيمانا مني بأن المسألة تحتاج الى غوص في أعماق الفكر المتطرف الذي ابتليت به الأمة نتيجة قرون من الجمود الفكري لاسيما في مجالات علوم السياسية الشرعية التي عادة ما تخرج التنظيمات الإرهابية من خلالها على الناس لتتحدث عن شؤون السياسية والداخلية والخارجية موظفة أدلتها بشكل خاطئ خدمة لمصالحها , كما كان الحال مع أسامة بن لادن والزرقاوي و أبو بكر البغدادي الذي بايعه أتباعه خليفة للمسلمين بعد ان تحلى كما يرون بصفات الخليفة . ولكن أحداث معبر الوديعة وشرورة ودخول يوسف القرضاوي على خط داعش وخلافته جعلتني أغير رأي وأقدم هنا قراءة سياسية أكثر منها فكرية , فالمشهد اليوم يعكس وجود تنافس بين تلك التنظيمات ( داعش والقاعدة والإخوان ) على اختطاف العقل الجمعي للمسلمين , وهذه في ظني حقيقة عكستها تعليقات القراء على ممارسات الداعشيين في المدن التي سيطروا عليها في سوريا والعراق من قتل على الهوية والنيل بشكل مباشر من مقدسات الآخرين والإضرار بها . فبالعودة إلى حادثي منفذ الوديعة وشرورة الإرهابي والذي نفذته عناصر من تنظيم القاعدة الذين انطلقوا من اليمن , فإن الحادث لا يمكن ان يمر على المراقب دون وتوقف , فقد سعت القاعدة من خلالهما الى تسجيل حضور علامي في مشهد المنطقة المتفجر بعد أن باتت الأضواء مسلطة على داعش الذي تنظر إليه القاعدة على انه تنظيم إرهابي وخوارجي بعد أن رفض البغدادي مبايعة أيمن الظواهري . ولهذا جاءت العلمية بطريقة بليودية وغير ذات جدوى فهي لم تستهدف نقاطا إستراتيجية وحيوية , مع كامل حزننا على سقوط شهداء من حرس الحدود السعودي الذين هم اليوم مصدر اعتزاز للمملكة حكومة وشعبا . ومما لا شك فيها فإن الحادث يعكس أمرين مهمين الأول أن تنظيم القاعدة في حالة ضعف شديد وتراجع وليست لديه مساحة للتحرك سوى في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية . الأمر الثاني الذي يعكسه حادثي منفذ الوديعة وشرورة هو اليقظة التي تتحلى به الأجهزة الأمنية السعودية التي تعاملت بسرعة واحترافية مع الحادث , وهذا نتيجة تجربة تراكمية أكسبت عناصر الأمن السعودي خبرة في التعاطي مع الإرهابيين . ومن محاولات القاعدة تسجيل حضور إعلامي جراء حادثي الوديعة وشرورة , كان للإخوان ممثلين في اكبر مراجعهم الفكرية يوسف القرضاوي دخولا على خط إعلان داعش قيام الخلافة الإسلامية , حيث صرح بأن البغدادي يفتقد لشروط الخلافة التي قال عنها القرضاوي ان عودتها حلم يراوده , وهذا الدخول من قبل الإخوان يعكس أن هناك حالة من الصراع بين التيارات المتطرفة ضحيتها في المقام الأول الأمة الإسلامية التي نصبوا أنفسهم أوصياء عليها بان اختطفوا دينها بفعل تغييب الوعي الفردي والجمعي , واذكُر هنا مجددا أن التعليقات التي صاحبت الأخبار المتعلقة بتصرفات عناصر داعش في المدن التي وقعت تحت سيطرتهم تعكس حالة من غياب الوعي لدى المسلمين , فقد جاءت في مجملها مكبرة ومصفقة ومهللة وهنا تبرز مهمة بناء الإنسان الواعي الرشيد كأبرز التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في المقام الأول على اعتبار أنها هي نواة الشعب .