في إحدى الغرف الضيقة والمظلمة, يجلس (غلام), غلام لم يبلغ سن العاشرة بعد, جسمه نحيل, مرتعش, كعصفور مبلول, شفتاه ذابلتان, تتمتمان بكلمات مبهمة, وآهات مبحوحة, عيناه محمرتان, لم تعرف النوم منذ زمن, وعلى خديه تجتمع المآسي, والأحزان, في خطين أسودين, رسمتهما فرشاة مجتمع قاس وجاهل, قدماه عاريتان, بهما آثار جريمة ارتكبها في حقه مجرم يسمى (وطن), ممسك بيديه قطعة بلاستيكية, كانت تسمى بالأمس لعبة, قد عاث الدهر بها, فبليت, وتحطمت أجزاؤها, وعلى جسده شبه ملابس مهترئة, ممزقة. يحدق بوجل إلى باب في زاوية, باب صنعته شعارات زائفة, بل هو سراب أتى نتاج كلمات كاذبة, خائف من وحشية ذئب في ثوب إنسان. في ذاك المكان المظلم يعيش (أحمد)، فاقد ﻷبسط المقومات الحياتية, فاقد لطعم الحياة الحقيقية, يعاني مرارة الحرمان, وقسوة المرض, وآلام الوحدة, فقد كرامته بين سراديب موحشة، تسكنها أفئدة لا تعرف العطف ولا الرحمة. كيف فقدها؟ ومتى؟ ولماذا؟ وأين؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها , لأننا مجتمع نجهل معاناة من يعيشون معنا, سواء في الحي أو في المدينة, نتجاهل أحزانهم, ونغمض الأعين كي لا نرى حقيقة آلامهم, ونجعل أصابعنا آذاننا كي لا نسمع أناتهم وأوجاعهم, ﻷننا نريد صفو الحياة بعيدا عما يؤرق مضاجع الاخرين, كل ما يهمنا هو: نحن, بسعادتنا وهنائنا، أما البقية الباقية من الفقراء والمساكين والمحتاجين والمرضى واﻷيتام, فهم أرقام في هامش هذه الحياة, أي لا مكان لهم بيننا. حقيقة مؤلمة يعيشها هؤلاء في ظل تلك المغريات والشهوات التي تعصف بقيم ومبادئ مجتمعنا، آمال هؤلاء -المحتاجين إلى عطفنا وشفقتنا- متعثرة ومبعثرة، بحاجة الى ذي قلب سليم وفكر ناضج وفطين، لجمعها ولبث روح الحياة في قلوب تكاد أن تختنق.