حكايات عديدة لجامع جامع مع الموت. بدأت قبل مقتله في دير الزور بعقود، وأضاف إليها تاريخه في لبنان سجلات من قصص الرعب. فالرجل الذي ترعرع طفلاً ثم فتى في ريف اللاذقية، لم يدرك يومذاك أن اسمه سيتحوّل مصدراً للقلق في نفوس كثيرين، قبل أن ينتهي زمن الخوف، ويبدأ زمن الربيع على الرغم من كل آلامه. في قرية زاما القريبة من مدينة جبلة على الساحل السوري، كبُر جامع جامع على وقع الهتافات ب"أمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". لكنّه لم يدرك كذلك أنّ هذه الأمة العربية نفسها ستكون سبباً في أن يلقى حتفه، ذلك منذ لحظة قرر أبناؤها الثورة على كلّ أنظمة القمع التي حكمت أرواحهم وأجسادهم بالعيش في "السجن الكبير"، والرضوخ الدائم لطاعة "القائد المفدّى" وإنْ تطلب الأمر نزيفاً من الدماء لم يتوقف. لا يختلف اثنان على الدور "الأساسي" الذي لعبه اللواء الصريع في "استعباد" الوضع اللبناني، يوم كان قائداً لجهاز الأمن والاستطلاع في بيروت التابع لغازي كنعان الرئيس السابق لهذا الجهاز في لبنان. وتوصيف هذا الدور يعرفه جيداً سياسيو لبنان وأمنيّوه، أكثر من مواطنيه. فهو الذي تمرّس في "إذلال" من شاء من مسؤولي الحقبة السورية في لبنان، وامتهن الترهيب والترغيب. وفصولٌ كثيرة لجامع جامع تسرّبت بعض تفاصيلها إلى العامة بعد 2005، وأخرى كثيرة لا تزال أسيرة جدران مركز المخابرات السورية القديم في الرملة البيضا، المعروف ب"البوريفاج"، لم تخرج على الرغم من خروج جامع من لبنان يوم كان للبنان ربيع. لا يهمّ أبداً إذا كان جامع جامع متورّطاً فعلاً في اغتيال رفيق الحريري أم لا. ولا قيمة أبداً لما ستصدره المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحقّ هذا الرجل بعد موته. فالجرم المشهود الذي تلبّس به جامع جامع كان أكثر قساوة من قتل رجل واحد، وإن كان بحجم رفيق الحريري. فجامع قتل أو ساهم بقتل عشرات وربما الآلاف من أبناء سوريا، الذين أصدروا بحقّه الحكم المبرم بالموت، بغضّ النظر عن الجهة الحقيقية التي نفّذت هذا الحكم. وإذا كان جامع غادر بيروت في نيسان 2005 تاركاً خلفه قصصه مع ترويع اللبنانيين، فهو انتقل ليصبح الضابط رقم 30 في قائمة رموز النظام السوري المسؤولين عن القمع وقادة "الشبّيحة" ورجال الأعمال المكلّفين شراء الأسلحة من السوق السوداء، إلى جانب وزير الداخلية محمد الشعار (الرقم 10) ورستم غزالة (الرقم 16) ومسؤول المخابرات في درعا عاطف نجيب. حساب السوريين الذي انتهى مع جامع جامع في 17 تشرين الأول 2013 بمقتله في دير الزور، كان بدأه اللبنانيون العام 2005، لكن لبنانياً يدعى الياس لطف الله طانيوس لم ينهِ حسابه بعد، فهو في العام 2010 رفع دعوى أمام القضاء اللبناني على جامع جامع ورفاقه، والقضية مستمرة وإن غيابياً. لا فرق طبعاً بين ما إذا كان جامع جامع قُتل برصاصة في رأسه، وهو من تسبّب بإصابة كثيرين في رؤوسهم وفي سائر أنحاء أجسادهم ونفوسهم، أو إذا قُتل بعبوة ناسفة تشكِّل بحجمها جزءاً قليلاً من تلك التي اغتالت رفيق الحريري. فما يهمّ أن القاتل مصيره القتل ولو بعد حين. وقل جنى على نفسه جامع جامع. * رئيس الحزب االيساري الكردي في سوريا ( تيار الاصلاح )