فوا شوقنا نحو الطواف وطيبه = فذلك شوق لا يعبر معناه فمن لم يذقه لم يذق قط لذة = فذقه تذق يا صاح ما قد أُذِقْناه وهل أجد أصدق من هذا الشعور حين أصف شوق المحبين .. هو بالفعل .. شوق لايعبر عنه .. ولكني أجدني مضطراً لتخطي وصف ذلك الشعور .. لأدخل معك أخي في عتاب أبدأ به وصف ( رحلة العمر ) .. فأنت .. يامن حافظت على الصلوات الخمس في المسجد .. ولا يوجد سبب من أسباب الدنيا يمنعك من صوم أيام رمضان المباركة كلها .. وتدفع زكاة مالك على حبه .. تفعل كل ذلك وأنت محتسب كل ذلك عند الله .. فما الذي أغراك .. وأنت أنت في اجتناب الموبقات .. والحرص على الطاعات .. ما الذي أغراك بترك الركن الخامس من أركان الدين ؟! أهو الخوف من الخسارة ؟! فأين أنت من ذلكما الزوجين العجوزين الذين عاشا سبعين عاماً على الخبز الجاف والماء ليجمعا قيمة ( رحلة العمر ) .. بل .. أين أنت من ذاك الشعور .. حين تدفع الآلاف لقضاء إجازة ماتعة في مصيف أو مشتى ؟! أو لشراء أجهزة جديدة من باب الترفيه والتسلية ؟! أم هو الحرص على الراحة والخوف من التعب والنصب .. فأنت ولا شك تعلم أن هناك من يسافر لقضاء هذه الفريضة عبر البحر شهوراً .. يذوق خلالها صنوف الرعب من العواصف العاتية التي تجعل الموت بمرأى البصر .. كما يذوقون صنوف التعب والنصب جراء حبسهم في محيط لايتعدى محيط ( حوش ) منزلك لفترة طويلة .. ومع ذلك .. فهم لا يتذمرون ولا يشتكون .. بل تجدهم سعداء مغتبطين .. وأنت .. تتوفر لك وسائل المواصلات المريحة .. والقرب من الشعائر المقدسة .. وتشكو من التعب ؟! أم هو التسويف .. فلعلك تقول سأحج السنة القادمة .. فما الذي يجعلك تؤخر الحج للسنة القادمة ؟! هل ستكون صحتك وقوتك أفضل مما أنت عليه الآن ؟! أم أنك ضامن عمرك .. ولا تدري أنك ربما عضضت أصابع الندم عندما يأتي يومك الأخير قبل انقضاء العام . إنها رحلة العمر .. التي يتمناها غيرك ولايستطيع .. وأنت تستطيع ولا تؤديها !! هل رأيت المشاهد التي بثتها قنوات التلفاز في حج العام الماضي ؟! أما رأيت الكبير المقعد ..والفقير المدقع .. والمريض العاجز .. هل هم أحق منك بأداء الفريضة ؟! أم أن شوقهم أقامهم وكسلك أقعدك؟! لقد رأيت في الحج أجساداً مكومة داخل خرد يسمونها ( باصات ) .. لابرودة تخفف عنهم حر الظهيرة .. ولا مقاعد وثيرة تريح أجسادهم من عناء السفر والتنقل .. ومع ذلك .. ترى على وجوههم الغبطة والفرح .. وكأنهم ملكوا الدنيا بكنوزها .. فما الذي أسعدهم سوى شعورهم بالرضى .. وما الذي أرضاهم سوى شعورهم بوجوب الصبر والاحتمال في سبيل رضى ربهم عنهم .. فمن لم يجرب ليس يعرف قدره =فجرب تجد تصديق ما قد ذكرناه لقد صدعت أكبادنا وقلوبنا =لما نحن من مر الفراق شربناه إنها كما ذكر ربك ( أيام معدودات ) .. تذكر فيها ربك .. وتقضي فيها فرضك .. وتتخلص فيها من ذنوب أثقلت كاهلك .. وتقضي حوائجك .. فيها يوم يباهي الله فيه بك أمام ملائكته .. فيغفر لك ذنوبك ماتقدم منها وما تأخر إن صدقت وبررت .. فالحج المبرور ليس له جزاء عند الله إلا الجنة .. ألا يستحق ذلك منك بضعة ألوف من مال زائل .. وبضعة أيام من السفر الذي توافرت لك فيه أسباب الراحة .. تدارك عمرك .. فأنت على خطر إن استطعت الحج ولم تفعل .. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له )) وعن علي_رضي الله عنه_قال : ( من قدر على الحج فتركه‘ فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً). فهل ترضى لنفسك بعد ذاك أن تؤجل وتسوف ؟! فبادر الآن .. واعقد النية صادقة بأداء هذه الفريضة .. قبل أن تقول ( ياحسرتا على مافرطت في جنب الله ) .. وتندم .. ولات ساعة مندم .. وفقنا الله وإياك إلى المسارعة في الخيرات .. والبعد عن النكرات .