في الماضي الغير بعيد جدا كانت هناك حمامات عامة منتشرة في الأسواق يستحم بها الناس ، و حدث ذات مرة أن شبت النار بواحد من تلك الحمامات و الناس بداخله عرايا ، فانقسم هؤلاء المستحمون إلى قسمين، قسم خرج مهرولا عريانا كيوم ولدته أمه لا يلوي على شيء خلفه، همه النجاة بروحه غير مبال بفضيحة عريه ، و قسم فضل الموت حرقا على أن يخرج على الملأ عريانا بدون شيء يستر ما طلب الله ستره. و بعد أن خمدت النار سأل الناس صاحب الحمام عن القتلى من هم؟ فأجابهم بكلمتين تختصران مشهدا كاملا و قيمة إنسانية لا يدركها إلا من علم معناها بأن " الذين استحوا ماتوا ". هو مثل أضربه و أضرب به وجوها تجمد الدم في عروقها فتبلد لديها الإحساس، فلم تعد تشعر بذل الانكسار و لا بهوان التخاذل و لا بمرارة الظلم الذي يمارس عليها. في تونس ضاقت الدنيا بما رحبت بشاب خرج إلى الحياة ليجد نفسه في مواجهة الفقر و انسداد طرق العمل أمامه لم يقبل بقدره المرسوم و لم يستطع أن يغيره، إلا أن إحساسه بكرامته و إنسانيته المهدورة لم يسمحان له بقبول هذا الواقع المرير فأحرق نفسه ليبين للعالم كله أن الانسان إذا ما تعرض للظلم يمكنه أن يقلب موازين الدنيا كلها. و لم يكن المشهد في بقية بلدان الربيع العربي أقل تمردا منه في تونس، حتى وصل الأمر إلى أطفال سورية الذين سمع العالم بهم، كانت مجرد طفولة عابثة أحبت أن تقلد غيرها و تقزم لعبة الكبار حتى تتناسب مع سنها ، فنال هؤلاء الأطفال ما نالوا من صنوف العذاب الذي كان يقدم لهم بدل وجبات طعامهم ، و عندما لم يقبل أهلهم و ذووهم بهذا الظلم رفعوا شعار الموت و لا المذلة، فجاءهم الموت من كل جانب و استقبلوه بصدر رحب بل و في الوقت الذي يتأخر عنهم كانوا هم يخرجون لملاقاته، و لا زال مسلسل الموت و لا المذلة مستمرا إلى هذه اللحظة . قد يسأل سائل ما مناسبة هذا المثال و هذا الكلام ؟ فأقول له ثمان و ثمانون عاما قفراء قاحلة مرت، دمر المجوس فيها الحجر و الشجر و البشر ، نهبت ثروات ما فوق الأرض و ما تحتها، إلتوت بتلك الثمان و الثمانون رقبة ألسنتنا و ديننا بما يتوافق مع فارسيتهم الحاقدة، فلا تاريخ حمانا و لا جغرافيا وقتنا، منا من تشرد في منافي الأرض متذللا للغريب كي يأوينه قانعا بأقل القليل، و منا من آثر البقاء و العيش على أرضه ليعيش عليها كالغريب مذموما مدحورا من غاصب حاقد كريه، لازالت حكومته تحدد لنا ما يجب علينا أن نأكل أو نشرب من خيرات بلدنا و تسرق الباقي، و لا زالت عسسهم و جواسيسهم يحصوا علينا أنفاسنا التي يجب أن نتنفسها ، و مع هذا كله لازلنا خانعين مستكينين لواقع مرير لم يقدره الله لنا بل ارتضيناه نحن لأنفسنا، في زمن صراعات لا يكون فيها البقاء إلا للأقوى و لا يحسب حساب لحسن نية أو صاحب حق لا يأخذ حقه بالقوة , ومنا الكثير ممن يقول أننا ناضلنا و قدمنا الكثير و يتباهى بريسان و رفاق دربه الطويل و الشاق و يتغنى ببطولات هذه القامات التي عانقت السماء، فأقول له أن ريسان و رفاقه قد أخاطوا عباءات مجدهم على مقاساتهم هم ليلبسوها على مر التاريخ، فان أردتم أن ترتدوا مثل تلك العباءات فعليكم أن تفصلوها على مقاساتكم أنتم بأعمال يظهر أثرها على ثرى الأحواز الطاهر، حتى تناسبكم . إن تحرير البلاد و العباد من عدو غاشم غادر لا يكون بكثرة الخطب و لا من خلال الكلام الدونكيشوتي في الديوانيات و المقاهي و لا بمدونات تكتب في فضاء الكتروني، فأنتم أيها الأحوازيون، يا أصحاب التاريخ و المجد و التليد، لستم أقل حبا لأرضكم أو غيرة على شرفكم من أهلنا في بلاد الربيع العربي، و لا محتلكم بأكثر رأفة و حنوا عليكم من حكام تلك البلاد حتى تسكتوا عنه او تستكينوا له. أما آن الأوان لكم ليخرج من بينكم بوعزيزي واحد يلهب بجسد محتله ثورة تقلب ظهر المجن على هذا المحتل ؟ أما آن لكم أن تنتصروا لمستقبل أطفالكم الذين لا يقلون براءة عن حمزة خطيب سورية ؟ و ما أكثر الحمزاوات في الأحواز . أما آن الاوان أن نقرن أقوالنا بأفعالنا التي يجب أن تدك الجدر و تزلزل الأرض تحت أقدام آيات شيطانية لا تعرف من الدين إلا الخمس و زواج المتعة و اللطم و سب صحابة الرسول الكريم؟ أما آن الأوان لنفهم أن بموتنا في سبيل أحوازنا تشرق شمس الحياة الكريمة، و أن خروجنا من حمام الموت عرايا و إن كان فيه نجاة أبدانا إلا أن فيه موت وطننا و أخلاقنا و مسحنا من صفحات التاريخ؟ 1