إن الولادة السريعة للحكم الاخواني في كل من تونس ومصر الذي أنتجته الديمقراطية وصناديق الاقتراع لم يكن مستغربا أو مفاجئا ؛ فهذا التنظيم كان الأكثر جاهزية من النواحي التنظيمية لخوض معركة الانتخابات، إضافة إلى الاستعداد النفسي لدى الجماهير والقواعد الشعبية لقبول هذه الجماعة ومناصرتها ، فهي تمثّل المعارضة التقليدية للأنظمة الحاكمة في كثير من الدول العربية خاصة دول الربيع العربي، عزز هذا كله توافر البيئة السياسية الملائمة على المستوى الدولي التي ترجمها بحث القوى العالمية عن بديل مناسب للأنظمة المخلوعة وحليف جديد يكون معروف لديهم يمكّنهم من السيطرة السريعة واحتواء الفوضى المفاجئة لتوقعاتهم!!!! ولأن الغرب يبنى سياساته على إستراتيجية طويلة الأمد لا يحتوي قاموسها على مصطلح الصدفة؛ وله شبكة علاقات وخطوط خلفيه توفر له على الدوام بديلا لكل شيء، فلم يكن صعبا عليه التوصل لعقد اتفاق مبدئي وبناء علاقة تحالف مع القيادات الإسلامية الجديدة في الشرق الأوسط، وهذا واضح وجلي ترجمته دلائل كثيرة أهمها الموقف من سوريا و احتواء حماس وعودة خالد مشعل إلى غزة وهذه الدلائل لا يوجد أدنى شك بأنها رغبة وإرادة غربيّة تصب في صالح إسرائيل وتتعدى أرنبة الأنف التي هي سقف النظرة السياسيةعند العرب!!!!! هذا بالطبع أمر لا نجرّمه ولو أن فيه مخالفة صريحة لنهج الإخوان المعلن طوال المائة عام الفائتة ومأخذا لطالما استخدموه ضد الأنظمة الليبرالية تحت عنوان التبعية للغرب، لكننا سنضعه في باقة الاستثناءات الكبيرة للإخوان وما سوف يندرج تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات. لكن الأهم من هذا وذاك وبعد أن نجح الإسلاميون في ممارسة تكتيك مرحلي مكّنهم من الحكم ما هي الرؤية والإستراتيجية التي سيتبعونها وهل هي موجودة أصلا؟؟؟ أم أنهم لا يملكون سوى تكتيك مرحلي يعتمد على ما يستجد من وقائع عملّية تحكمها الظروف ؟؟ ربما أن الإجابة على هذه الأسئلة لا يملكها سوى الإخوان أنفسهم، لكن المعطيات التي نشهدها على الأرض لا تبشر بخير، فمن خلال التجربتين التونسية والمصرية تظهر مؤشرات تدل على افتقار الحكم الاخواني للإستراتيجية ففي تونس مثلا بدا واضحا عجز وفشل المنصف المرزوقي عن إجابة أهالي مدينة سيدي بو زيد حول أسباب بقاء هذه المدينة على حالها على الرغم من دورها ورمزيتها للثورة التونسية، مما يثبت عدم وجود برامج أو خطط تشكّل مفردات لإستراتيجية حزب النهضة الحاكم، أما في مصر فإن التخبط السياسي وحالة الانقسام الخطيرة في الشارع تدل أيضا كما هي تونس على عدم وجود برامج أو خطط سوى تكتيك انتقل من مرحلة الوصول للحكم إلى مرحلة التمكين والاستحواذ على السلطة. . 1