لم يكن مشهد سقوط «الحلم العربي» إلا مشهداً ثانوياً مصاحباً لمشهد الثورات العربية، وصعود نجم «الإخوان»، فلم تكن صور وشعارات الوحدويين العرب لتظهر إلا لتختفي سريعاً أمام مشهد «الأسلمة» الطاغي في كل الشوارع العربية الثائرة، فهو لم يعد سوى ذكرى لحلم بدأ بالصدام مع الإخوان في الخمسينات والستينات الميلادية، وانتهى تحت أيديهم في أقل من عام. فالدول التي سقطت اليوم بيد الإخوان المسلمين ليست في الواقع إلا من بقايا «القومية العربية»، التي تشكلت دويلاتها بعد صعود تيارات الوحدة العربية، في مصر وليبيا والسودان سابقاً، وفلسطين، وسورية. ومع توسع طموحات الإخوان المسلمين شرقاً وغرباً مستفيدين أيما استفادة من الثورات التي حصلت في شوارع المدن العربية، يبدو أن مفهوم الوحدة العربية القائم على الهوية العربية الخالصة سقط بلا رجعة، تلك الوحدة التي دغدغت بحلمها ملايين العرب طوال عقود مضت عبر خطابات وأحلام أحياناً، وعبر مشاريع لم يكتب لها النجاح أحياناً أخرى. يظهر ذلك جلياً في المشهد الذي يتبرعم الآن خارجاً من رحم أزمات اقتصادية واجتماعية «شعبوية عربية» قصمت ظهور البسطاء، أن لا صوت يعلو فوق صوت «الأخونة» في الشارع والبرلمان، وحتى على كرسي الحكم في دول الثورات. ومع أن القومية العربية التي استفادت كثيراً من زخم مقاومة المستعمر خلال مشاريع الاستقلال لم تشهد وحدة عربية حقيقية على أرض الواقع، إلا أنها قدمت نفسها كخيار ممتاز ومتاح للشعوب والحكومات العربية يمكن اللجوء إليه عند الملمات. وفي ظل تسارع دقات «القلب الإخواني» في مصر نحو تشكيل طوق نموذج إخواني مصري، يمتد بتأثيره نحو ما ستسمى لاحقاً بدول النفوذ الإخوانية، يجب أيها السادة تذكر ما حصل في السودان وغزة قبل سنوات عدة، لقد كان المشهد بكل سرياليته تجربة واقعية أعطت للمرجعية الإخوانية «العالمية» صورة كافية عن كيفية الوصول للحكم والتفرد به. وهو ما قد يحدث تماماً في كل العواصم التي نجحوا فيها، لو لم تصر الشعوب على أن تتحول العمليات الانتخابية الحالية الجارية في تونس ومصر وليبيا على سبيل المثال إلى إيمان كامل بأحقية تداول السلطة بين كل الفرقاء من دون استفراد أو انقلاب على تلك المفاهيم. لا شك أن الطوق الإخواني الذي تشكل خلال السنوات العشر الماضية كسهم يحمل على نصله الهلال تارة والميكافيلية تارة أخرى، منطلقاً من عمل دؤوب عمره 80 عاماً، اخترق قلب النظام العربي، ومتناثراً في كل أوردته ومفاصله، بدءاً من المغرب العربي، مروراً بتونس وليبيا ومصر والسودان، ومتجهاً شمالا ًنحو غزة وتركيا. هل سيثمر ذلك الطوق عن وحدة عربية؟ بالتأكيد لا، وهل سيثمر عن وحدة إسلامية؟ بالتأكيد لا أيضاً، بل هي وحدة «إخوانية» فقط تقوم على مصلحة الإخوان فقط، ومحاولات دعم توسعهم في المناطق «النائمة»، التي لا تزال خلايا الإخوان تعمل فيها بصمت حتى يأتي اليوم الموعود الذي تقفز فيه إلى الشارع، ومن ثم نحو كرسي الحكم، مؤكدين أن لا صوت يعلو فوق صوت الإخوان. [email protected] Twitter | @dad6176