لا ريب أن رجال المرور هم رجال الغوث و النجدة و اللحظة في النائبات وإلمام الملمات. و هم جماعات إسعاف المصابين ؛ هم الجماعات الخيرة التي تخدم المواطن و المجتمع دون مقابل ، و تعمل بدافع الواجب و الانسانية ، و العاطفة الشريفة، فهم يحترفون المعروف للمعروف نفسه، و يسطنعون الإحسان للإحسان ذاته،دون مطم دنيوي أو مكسب مادي ، و إنما لما يمليه عليهم الواجب الديني و الوطني و الانساني؛ترى هؤلاء الرجال على أهبة الاستعداد ليل نهار طوع الإشارة و رهن الحادثات،فهم يقظون و الناس نيام لا يكاد يحدث شر في طريق أو في أفواه الشوارع ، أو حادث مروع في غلس الليل حتى تراهم بين يدي المصاب ورهن الحادثة و على رأسها ، و لا تدري : أهم نبتوا من أرض الحادثة أم نزلوا من سمائها بأسرع من إيماضة البرق؛فهم رسل الرحمة ، و رجال المروءة ، يتلقون المصاب قبل أن يدركه بنوه أو أهلوه ، و يحْنُون عليه أكثر مما تحنو عليه أسرته وذووه ، تراهم كأنما وُكلوا بالحوادث فهم يرقبونها ، أو سلطوا على الخطوب فهم يتعقبونها... لا تحل كارثة حتى يكونوا من حولها؛ فكأنهم على علم بها، أو كأنهم مع الحوادث على ميعاد. هم رجال إمتلأت صدورهم حنانا ، و إمتلأت قلوبهم شفقة و رحمة حتى أفاضوا هذا على مَنْ حولهم و كل من معهم ، فكم توسد المصابون أذرعهم حتى أفاقوا من غشيتهم ، فاذا كانت الشفقة قبسا من نور الله يُضيء قلوبنا ، و ثوبا من أثواب الرحمة يجملنا و يٌزَين فإننا ندركها كل الإدراك ، و نقدرها قدْرها : حين نسمع في رائعة النهار أو غلس الليل و الأسحار ناقوس أو جرس هذه الجماعة يُدوي في الآفاق و الطرقات : عنوان غوْث و بشير نجدة ، و لولا لطف الله ثم يقظة هؤلاء الأوفياء الرحماء بأبنائهم و مواطنيهم لعظمت الكوارث أضعاف حدوثها و تضاعفت النكبات و آلام المنكوبين ، فنُزفت دماء و أزهقت أرواح واسْتفْحل كل خطب نتيجة تهور السائقين و طيش كثير من الشباب المغامرين و غيرهم من العمالات من الجنسيات قليلي الخبرة بقيادة المركبات ( و هنا (ذيل القصة ) المؤسفة فقد كان ابني ( محمد عبدالله البكر ) متجهاً لتأدية الامتحان ( في كلية العلوم الطبية التطبيقية ) في منتصف شهر رجب للعام الماضي 1432ه و في أثناء سيره فوجئ بسيارة نفذت إليه بطريق معاكس و بأقصى السرعة فأطارت بسيارة إبني عاليا و تقلبت به حتى انكفأت به ثم استقرت فسُحب من فتحة الغمارة و نُقل للمستشفى فاقد الوعي و كان قد انكسر ذراعه و انخلعت يده ، و بعد الأشعة وُجد عنده شعْر في الحوض و بقي ثلاثة أشهر ملازما سريره لا يبرحه ، و رغم أن سيارته مقسطة بمبلغ مائة و خمسة و عشرين ألفا ندفع أقساطها و لم يبق لنا بها عوضا، و هذا يهون قياسا إلى بقائه حيا، و السوأة الأخرى أنه إنحرم من دراسة الطب التي هي حُلُمه و أقصى أمانيه و قد علق عليها آماله فخيبها هذا الحادث.. و الغريب في الأمر و الذي يدعو إلى الأسف : أن كفيل السائق، لم يسأل عن ابني أو يقف عليه أو يهمه إن كان حيا أو ميتا بقدر ما أهمه إيقاف سائقه ، حيث هب مسرعا إلى المرور فأخلي سبيله ، و المعاملة في طريقها إلى المحكمة . كان الأحرى بمسؤول المرور عدم التسرع في إخلاء سبيل السائق وهو لا يعلم شيئا عن مصير ابني أو يطلب حضورنا. مع أنه يعلم يقينا بوقوع الخطأ على السائق، لأن المعاملة بين يديه ، و إذا كان لكل شئ عيبه، و أن لكل قاعدة شواذ: فيجب ألا ينْدس عامل الصداقة أو المجاملة في القضايا البالغة الخطورة و التي لها مساس بالمحاكمة الشرعية كي لا تُحْدث خللا في الاجراءات الرسمية التي يترتب عليها إضاعة حقوق المواطن بسبب الصداقة و المجاملات في كل الدوائر الحكومية ، و المأمول من هذه الدوائر عامة ألا تضع أية معاملة رهْن الأدراج حتى يحضر من يتابعها قياسا بمعاملة ابني هذه التي بقيت في سبات عميق قرابة ثُلثي العام أي 8 شهور حتى بعثناها من مرقدها ، و بهذا فأنا لا أخص دائرة بعينها. فالأمانة و الإخلاص في العمل و مراقبة الله و نزاهة الضمير واجب كل موظف : و إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل = خلوت و لكن قل علي رقيب . 1 [/size]