لكي نخوض بالكلام في موضوع الإدارة فلابد أن نعرف أولاَ لماذا يفضل البعض أن يلتحق ولده بمدرسة دون أخرى لماذا تمتلك مدرسة سمعة أفضل من أخرى لماذا سمعة هذه المستشفى أفضل من الأخرى بالرغم من أنهما في نفس المنطقة وتتبعان إداريا لنفس الجهة إن السبب الحقيقي وراء نجاح مدرسة دون أخرى أو مستشفى دون آخر هو أنها تملك إدارة ناجحة استطاعت أن تكرس إمكانياتها المتاحة لها وتوظفها بطريقة سليمة داخل إطار بيئة عمل جماعية تحتضن موظفيها وتثق بإمكانياتهم بعيداً عن المركزية الإدارية ولكي تنجح إدارة ما لابد من توفر مدير يحمل صفة القائد الواعي الذي يتمتع بصفة المقدرة على حمل المسئولية مضافة إليها التمتع بالأخلاق الحسنة التي يحتاجها ليتعامل بها مع موظفيه ومع مراجعيه ليتسنى له النجاح في خدمة مجتمع بأكمله بأبسط الطرق ومن هنا لابد أن نضع أمام أعيننا قول رسولنا الكريم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وقوله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فبهاتين القاعدتين وهما قاعدة تحمل المسئولية وقاعدة الأخلاق الحسنة في فن التعامل استطاع رسولنا الكريم وصحابته رضي الله عنهم أن يحكموا ويديروا العالم من بلاد السند إلى بلاد الأندلس إن الحياة بأكملها هي نموذج لإدارة ناجحة أو إدارة فاشلة أو إدارة تسعى وتبدل جهدها للوصول إلى الكمالية ولكنها لا تملك العقل المفكر الذي يستطيع أن يبني منظومة عمل متكاملة بأبسط الأفكار دون اللجوء إلى التعقيدات وتطبيق النظام بحذافيره مما يخلق جو عمل كئيب يصيب الموظفين بالاكتئاب الذي يورث في نهاية المشوار الفشل الذريع لهذه المؤسسة فمثلا العائلة كمنظومة مؤسسية بها الأب هو المدير القائد إن كان يتمتع بفن الإدارة الناجحة فستراه عندما يعود إلى بيته الكل ينتظره بشوق ويستقبلونه بفرحة وأما الأب الفاشل كقائد لبيته المعقد فتلقاه عندما يعود إلى البيت يسكت الجميع خوفا منه ممطرا جو من الكآبة في هذا البيت الذي كان أهله سعداء عند غيابة ومن هنا لابد أن نعرف لماذا نجح الأب الأول إداريا بينما فشل الآخر مؤكد أن الإداري الأول تجده دائم الإبتسام والبشاشة مع أبنائه يناقش مع أبنائه همومهم لا يضع بينه وبينهم حاجزا لا يفضل أحدا على أحد في المعاملة والهدايا والهبات يفخر بقراراتهم الخاصة يستمع للجميع ويدير الحوار معهم بفن وذوق بينما فشل الآخر في إدارة عائلته لأنه معقد يعتقد أنه دائما الصواب وبقية أعضاء عائلته على خطأ ليس لأحد رأي في البيت إلا هو وكل الآراء خاطئة لا يستمع لأحد ولا يدير حوار بدون رفع صوت يخافه الجميع ولذلك تفشل إدارته بسرعة وتتفكك عائلته ولو بعد حين ولو جعلنا المثالين السابقين أنموذجين فالأب هو المدير والأبناء هم الموظفون لاستنتجنا أن المدير الذي يهابه موظفيه هو سبب فشل هذه المؤسسة فالمدير الذي يعقد الأمور الذي لا يخلق جو عمل جماعي الذي يفضل موظف على آخر الذي لا يعمل على كسر الروتين الممل لموظفيه بدورات تدريبية جديدة لهم المحب للمنصب الطالب له الخائف على كرسيه الغير مبتهج الغير منصت لموظفيه المحاور الغير جيد هو السبب الحقيقي وراء فشل الكثير من المؤسسات وعدم التطور السريع لدينا رغم توفر الإمكانيات التي لو وضعت في يد إداري ناجح محب لمنفعة موظفيه ومؤسسته ومراجعيه ومجتمعه وأمته لرأينا تطورا سريعا وحضارة أكبر على جميع المستويات والميادين إن المدراء الذين جل همهم ورقة الحضور والانصراف المدراء الذين يدسون في الأدراج الدورات التدريبية التي قد ينتفع بها موظفوهم خوفا منهم أن يطوروا مستواهم ويخطفوا الكرسي أو المنصب منهم المدراء الذين ليست لديهم أفكارا متجددة الذين لا يحبون تطوير اقسامهم أو مؤسساتهم العاجزين عن محاكاة عجلة التنمية ليس هذا زمنهم نحن في زمن الإنجاز في زمن ماذا حقق هذا المدير من الإنجازات لهذه المؤسسة وهل طور منها أم أصابها الصدأ واكلتها دابة الأرض وأخيراَ إ ن أردت أن تعرف أخلاق شخص الحقيقية فضعه في منصب إداري لمدة شهر أو شهرين فالمناصب تكشف أخلاق طالبيها وإن أردت لبلد أن يتطور بسرعة فحسن نوعية مديري إدارات قطاعاته الحكومية مع مطالبتهم بعرض انجازاتهم السنوية أمام وزاراتهم وملائمتها للتطورات الحضارية العالمية في الميادين العلمية والعملية والخدماتية وألا تكون هذه الإنجازات فقط حبر على ورق بل يتم التأكد منها على أرض الواقع. E-mail: [email protected] 5