حينما تنطق الألسن وتتحدث الأفواه بكل جديد , يبدأ في عالم الواقع البحث عن حقيقة ذلك الجديد , فتستقر الأرواح حينما تجد الحقيقة , أما إن عجزت عن وجودها فستبقى في حيرة ملازمة , بكثافة تفكيريه مجهدة تطبق على عقلك الذي لا ينقصه شيئاً من ذلك , أحكي عن معاناة شعوبنا الإسلامية والعربية , عن واقع مشهود بالحماس والثورات , و عن نفوس مشحونة بهموم لا حد لها , وحينما أحاول جاهداً الوصول إلى حقيقة تلك الأسباب , وما ستؤول إليه , تتهادى الروح في مكنونات الظلام الغيبي , الذي لا تدركه الأبصار ولا البصائر , وأعني بذلك علم الغيب . لن تجد حلاً يكفل لك بناء مستقبل بشري على امتداد أسبوع واحد , أو حتى يوم واحد , خصوصا مع التقلبات السياسية السريعة والفتاكة , التي فتكت بأرواح البشرية , إنهم بشرية المسلمين , المدعومين بقداسة الكتاب المنزل والنبي المرسل – صلى الله عليه وسلم – الذين كانت قرونهم الأولى أسوة القدوة الرائدة , والكمال السياسي المسيطر , والأمان الكوني الباعث لاستقرار النفس والروح والجسد . حينما بنى رسول الله تلك الدولة الجديدة في مجتمع تحفه المخاطر , فمشركي المدينة في صميم الدولة واليهود الخونة داخل أروقة المدينة وعلى مشارفها , والدولة الوثنية التي تتحكم في جُلِّ الجزيرة وما حولها تسيطر على الوضع وتهدد الدولة الإسلامية الجديدة , تهددهم كقيادة وتهددهم كشعوب مستضعفة لاجئة , لكن القائد النبوي العظيم الذي كان على رأس الهرم المدني أسس كل ما من شأنه ترسيخ وتقوية هذه الدولة الناشئة , من كل النواحي بناء وتعيين ومواثيق ومعاهدات وبرلمانات واستشارات وقرارات ودوريات , وقلوب تحمي ذلك الكيان الإسلامي بكل ما تملك حسياً ومعنوياً , وحينما استقر أمرها رادت كأعظم دولة وأعظم قائد وأعظم جيل على امتداد التاريخ البشري , قوة ونصرة وتمكين ونفوذ وسيطرة وأمان وسلامة , فهل يا ترى تطبيبنا لمجتمعنا الحالي بهذه الأدوية يعود بالنفع على صلاح مجتمع يحرق بعضه بعضاً , أم أن الحل في تطبيق تلك الشرعية الدستورية المدنية , أم لا هذا ولا ذاك ؟, بل مصيبة تبقى , وفتن تدوم وضياع وتمزق سيحل بأمة تخلت عن أعظم ما تملك . 5