بادئ ذي بدء يجب أن نعترف أننا مررنا بفترة ركود فكري جعلتنا ننفصل عن تراثنا الثقافي والفكري انفصالاً يصل أحياناً إلى حد الجهل بذلك الإرث الحضاري الضخم. لكننا بعد ذلك السبات زعمنا أو زعم (الثوريين) منا على واقع الحال أننا صحونا وبذلنا من الجهد ما استطعنا به أن نردم الهوة بين واقعنا الثقافي والفكري وبين إرثنا التليد. فهل استطعنا فعلاً ردم تلك الهوة ؟؟ وبالتالي بتنا نتمتع بشخصية ثقافية وفكرية اعتبارية مستقلة تميزنا عن باقي الأمم؟ بحيث أن كل منتج فكري لنا يدل علينا ولنا ينسب حتى ولو لم يعرف صاحبه أم أننا لازلنا نرزح تحت ظل تبعية جعلت أمشاجنا الثقافية ونطفنا الفكرية تخرج مسوخاً مشوهة كنتاج لطفرات جينية بسبب تلوث إشعاعي منبعث من الآخر . إن المتتبع لواقع حال حراكنا الثقافي والفكري وعبر جميع أشكاله وصوره يلحظ أن هناك أيادي خفية تتحكم فيه وتتجاذبه تنقسم في مجملها لثلاث مدارس أولها : مدرسة (الكلاسيكيين) الذين يرون بضرورة الحفاظ على القديم الأصيل واعتباره ركيزة أساس لمنطلقات فكرية جديدة عبر تجديد أساليبه لجعله في مواكبة العصر. ومدرسة (الغربيين) المتأثرين بالفكر الغربي التي ترى أن الغرب قد وفر علينا الكثير من الوقت والجهد بجعل تراثنا الفكري والثقافي نقطة انطلاقته مستنبطاً من بين ثناياه أساليب جديدة ساعدته فيما بعد لتأطير صورته الثقافية والفكرية المميزة وبالتالي لا ترى هذه المدرسة أن هناك ضرورة للمحافظة على القديم وإنما يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرين . ومدرسة (الحداثيين)التي لا ترى أهمية لذلك الإرث وأيضا لا ترى أهمية للبدء من حيث انتهى الآخرين وإنما تراه صواباً هو أن نعيد اكتشاف أنفسنا بعيداً عن كل قديم وعن كل تأثير للآخر.ولا زالت هذه المدارس تتجاذب صورة شخصيتنا الثقافية والفكرية وبهذا الصراع فنحن إلى الآن ليس لنا مكان واضح في هذا الزخم الفكري والثقافي الكوني يميزنا عن باقي الأمم. والسؤال هل سيطول انتظارنا للوصول إلى نهاية هذا الصراع؟؟ [email protected]