يعد العالم الأزهري المعروف فضيلة الدكتور عبدالعظيم المطعني رمزاً من الرموز الإسلامية المهمة في الوقت الحاضر، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بعدد كبير من المؤلفات القيمة، وقد ساهم إسهاماً كبيراً في صد الغارات الفكرية والثقافية الوافدة والتي تتنافى مع معتقداتنا وهويتنا وتراثنا العربي والإسلامي، والرد على العلمانيين والحداثيين وتلامذة الاستعمار، كما شارك أيضاً في كثير من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية عبر مسيرة أكثر من نصف قرن من الزمان، ولم يألُ جهداً في الدفاع عن ثقافة الأمة الأصيلة... وفي هذا اللقاء يكشف لنا عن كثير من مواضع الخلل في حياتنا العلمية والعملية.. وإلى التفاصيل: | في إطار مايسمى بالعولمة.. ماهو موقف الإسلام من ا لدعوات التي ينادي بها الغرب بوحدة الثقافة العالمية؟ || إن لنا حضارتنا، ولنا مفاهيمنا في الحضارة التي إذا نحن قارنا بها حضارة العصر، وجدناها تختلف اختلافاً واضحاً، وقد عمل الإسلام على تحرير أهله من التأثير الأجنبي بكل أنواعه، ودعا إزاء الحرب النفسية التي تهدف إلى تغيير المعالم الأصيلة للعقيدة والمزاج النفسي، ولاريب أن الطريق الوحيد الذي حفظ لنا ذاتيتنا ووجودنا وكياننا هو الاعتصام بالقرآن والسنة القادرين على العطاء في حل جميع المتناقضات. والفكر الغربي اليوم لايقدم للمسلمين عوامل بناءة أو ايجابية، فهو حريص على أن يبقيهم في دائرة ضعفهم وتخلفهم، و(وحدة الثقافة العالمية) عبارة خلابة، ولكنها زائفة، لأنها تخفي في أعماقها احتقار الثقافات الإنسانية، معناها الحقيقي (سيادة)الثقافة الغربية وتسيدها على حضارات الأمم وثقافتها، ولقد ظل كفاح المسلمين مستمراً على مدى الأجيال في سبيل حماية الفكر الإسلامي من هيمنة الفلسفات الوافدة والنظريات المادية والوثنية. المتغيرات والتطورات | الواقع يدل على أننا ارتبطنا بالحضارة الغربية بشكل لانستطيع منه الخلاص، نظراً لأنها سيدة الحضارة القائمة.. فما هو دورنا حيال هذا الارتباط؟ || دعاة الحضارة في هذا العصر يريدون منا أن نقبل كل شيء، وأن ننصهر في هذا الوجود العالمي، ونحن لانقبل بوجهة نظر هذه الحضارة وأهلها في مواطن كثيرة، وإن كان علينا أن لانتردد في قبول الأجهزة والوسائل والأساليب الغربية لنقدم من خلالها فكرنا وليس هذا عيباً، فقد فعل الغرب ذلك حين أخذ علوم المسلمين في الأندلس، ونحن نؤمن بالانفتاح على الحضارات والأمم ونؤمن بأن نعيش عصرنا، ولكنا لانقبل القيم والمفاهيم التي تتعارض مع منهجنا الإسلامي. ومن هنا يجب توضيح مفهوم مقولة إن الإسلام قادر على أن يساير روح ا لعصر، ذلك أن منهج الإسلام الرباني قد قام أساساً على الاتساع والمرونة والقدرة على تقبل المتغيرات والتطورات التي هي من شأن اختلاف العصور والبيئات، ولكن ليس هذا التقبل على إطلاقه، ولكن إلى الحد الذي رسمته الثوابت دون تجاوز، ومن هنا فإن الإسلام ليس مبرراً لتحولات العصور والبيئات نحو التحلل أو تجاوز الضوابط أو القبول بالحريات غير المنضبطة أو التخلي عن قيمه الأساسية وضوابطه الثابتة وخاصة في مجال العقائد والأخلاق. القضاء على المقومات | وماهو الحل في مواجهة هذا الطوفان الكاسح من الفكر الغربي القادم إلى عالمنا الإسلامي في الوقت الراهن؟ || لقد وصل الغربيون إلى حقيقة ضخمة، وهي أنها ليست أسلحة الحرب والقتال والجيوش هي قوة الإسلام بقدر ماهي قوة الإيمان بالتراث العربي والإسلامي ومقوماته الأساسية. ومن هنا عمل الاستعمار بقوة على القضاء على مقومات هذه الأمة، هذه المقومات التي كانت تتمثل في المقاومة والبطولة والقوة المستمدة من القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي الحافل بالبطولة، ومن هنا كانت تلك الحملة التغريبية الشعوبية التي ساقها الاستعمار على ألسنة المبشرين والمستشرقين وأتباعهما في سبيل إثارة الشبهات حول أمتنا الكبرى في الشخصية العربية وهي قوة المقاومة بإثارة المزاعم والمغالطات حول مفاهيمنا. إن السبيل الوحيد في مواجهة هذا الطوفان الغربي نحو أمتنا هي ضرورة التماس مصادر قوتنا من تراثنا وتاريخنا بمقاومة الشبهات وعلينا أن نوقظ في نفوس أمتنا، ذلك الروح الحي الذي كان دوماً طابع تراثنا وثقافتنا، ليكون سلاحنا في المعركة وليكون رديف الأسلحة السياسية والعسكرية والاجتماعية وقسيمها، بل هي في الحق روحها النابض بالحياة القادر على أن يعطي كل هذه الأسلحة قوتها وحيويتها. لقد عرف الغرب والاستعمار في صدامه المتصل بعالم الإسلام كيف كانت غزواته تبوء بالفشل مهما طال أمدها، كما حدث في الحروب الصليبية التي استمرت قرنين كاملين، فقد كان تراثنا الذي يمثل مقومات فكرنا (علماً) يرفع في المعركة ليجمع القلوب والعقول ويدفع إلى الجهاد والنضال، حتى يتم النصر للحق، وتكون كلمة الله هي العليا. إن علينا ألا ننفصل عن هذا التراث الذي مازال حياً متفاعلاً مع حياتنا وواقعنا، وإذا كان البعض قد وصف كتب التراث بأنها كتب صفراء، فإن هذا الوصف لايبخس من قدرها شيئاً، فقد أعطت وأمدت عشرات الباحثين في الغرب والعالم الإسلامي أيضاً بزاد فكري قوي، وما تزال أبرع نظريات القانون الحديثة وأبرع أفكار علم الاجتماع والنفس والتربية تستمد جذورها من تراثنا العربي الإسلامي. إثارة واضطراب | لماذا كان اهتمام الغرب بالتراث الإسلامي والعربي وتحقيقه على نحو واسع؟ || كان اهتمامه الأكبر منصباً على تراث غير أصيل، فاهتمامه بتراث الحلاج والسهر وردى وابن عربي وابي نواس وبشار وابن الراوندي وغيرهم إنما يكشف عن خطة الغزو الثقافي في الاهتمام بالجوانب المضطربة والمثيرة للشبهات لإعلانها وإبرازها والاهتمام بها، رغبة في دفع أفكارها المنحرفة التي طمست والتي كشف زيفها أعلام الفكر الإسلامي إلى الظهور مرة أخرى، وهذه الأفكار التي هي موضع اهتمام في التراث إنما هي فلسفات يونانية وفارسية وهندية ومجوسية، وليست أصيلة النسبة للإسلام، وبينما يهتم المستشرقون والمبشرون بهذه الجوانب يحملون حملات عنيفة على الغزالي والمتنبي وابن خلدون ويؤلف كثير من تلاميذهم مؤلفات في الغض من قدر هؤلاء. انهيار المناهج | ألقيت الضوء في كثير من مقالاتك ومؤلفاتك على سقوط الأنظمة الوضعية وأن هذا السقوط مقدمة لسقوط سائر النظم والنظريات البشرية الأخرى.. فماذا يعني سقوط هذه الأنظمة بالنسبة لنا نحن المسلمين؟! || لعل قوانين الحياة والمجتمعات والحضارات التي رسمها الإسلام تؤكد أن كل منهج يخالف الفطرة ويعارض التوحيد لابد أن ينهار مهما امتد به الزمن أو حاول السيطرة والبقاء، وهذه حقيقة قد أثبتتها الأيام وسجلها التاريخ، وهي تظهر أمامنا واضحة جلية حين نرى أن الشيوعية تنهار بعد سبعين سنة وتعلن عجزها عن العطاء ومعنى هذا أنه لاتوجد نظرية بشرية تعيش إلى الأبد، ولكن الذي يستطيع أن يعيش إلى الأبد هو المنهج الرباني الذي لاتستطيع أن تجتاحه المتغيرات أو يعجز عن العطاء، وهكذا يتكشف للبشرية أن الإنسان مهما سما عقله وعلا شأنه وتفتح أمامه أبواب العلم فإنه لايستطيع أن يقيم منهجاً لحياته.. مما يحتم أن تؤمن البشرية وتخضع للمنهج الوحيد الذي رسمه لها صانع الحياة، فالمنهج الرباني وحده هو القادر على البقاء وسوف تتساقط المناهج الوضعية كأوراق الخريف حتى لايبقى إلا منهج الله الذي يجب على البشرية أن تسلم وجهها له، ولكن سقوط هذا النهج البشري (الشيوعية) لم يحدث مفاجأة، ولكنه كان متوقعاً منذ وقت بعيد. فقد كشفت الدراسات عن مجافاتة للفطرة والعلم وحقائق الأشياء، وأنه لم يكن إلا محاولة زائفة لاستغلال نصوص من التاريخ وأساليب من عصور التسلط والقهر لإيجاد نظام يحمل كل سموم التلمودية الطامعة في السيطرة على العالم والتي تجعل أول أهدافها إلغاء الدين وتحطيم النبوات ورسالات السماء. حقد وتشويه | كيف ترى تعرض التاريخ الإسلامي للتشويه من جانب الغربيين؟ || بالفعل تعرض التاريخ الإسلامي لموجات من التحليل والتفسير اختلفت باختلاف المدارس التاريخية الغربية التي حاولت أن تصدر أحكامها من وجهة نظر غربية خالصة، وقد حاول هؤلاء الكتاب تفسير التاريخ الإسلامي تفسيراً مادياً واقتصادياً وغفلوا عن جانب المعنويات والقوة الروحية والإيمان الذي كان عاملاً أساسياً في النصر الذي حققه المسلمون بالأعداد القليلة على القوى الكبيرة، وجاءت محاولات تفسير هذا التاريخ تحمل طابع الجهل بالجوانب المعنوية والروحية وأثرها البعيد في النفوس، كما تحمل الحقد الدفين على الإسلام وتاريخه. وهناك محاولة أخرى في حاجة إلى الكشف عنها ودحضها.. تلك هي محاولة الزعم بأن التاريخ الإسلامي هو الإسلام نفسه، والواقع أن التاريخ الإسلامي ليس بالضرورة ممثلاً للإسلام، وأنه لابد من التفرقة الواسعة بين مبادئ الإسلام الربانية الثابتة الممثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وبين التجربة التي قام بها الحكم الإسلامي والتي قد تلتقي مع مبادئ الإسلام في بعض المراحل وقد تختلف عنه حين يذهب قادة المسلمين بعيداً عن منهج الإسلام. ولاريب أن هناك نفراً ممن تولوا زمام الحكم في الدولة الإسلامية بعد الخلافة الراشدة بعدوا عن منهج الإسلام، فمن غير الحق أن يصور سلوك هؤلاء الحكام على أنه هو الإسلام نفسه، وأهم ما في ذلك الفهم الخاطئ من محاذير هو محاولة نسبة الاستبدادا إلى الإسلام، ومحاولة الاستشراق تبرير الاستبداد بالإسلام نفسه حيث يقول بعضهم وهو كاذب:إن النظام الحكم في الإسلام نظام استبدادي، ونسى هؤلاء أن للإسلام مبادئه الواضحة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم لمصلحة المحكوم نفسه. قيادة وريادة | كلمة أخيرة يريد أن يوجهها الدكتور المطعني لشباب هذه الأمة؟ || أقول لهم: إن الأمة الإسلامي أمة عريقة قائمة في العالم، مؤثرة في التاريخ وفيمن حولها، حملت رايات الإسلام، ومضت تشق بها أطراف الأرض من الصين إلى الأندلس، وظلت ذات فاعلية وتأثير في مختلف أدوار هذا التاريخ، وكان لها دورها الكبير في مقاومة الحروب الصليبية، ودورها الضخم في مقاومة حملات التتار. لنثق أننا اليوم في مطالع الفجر ليقظة جديدة لهذه الأمة، وأن هذه الأمة ستلعب في القريب مرة أخرى دورها الخالد التاريخي، قائدة ورائدة ومقدمة لفكرها الذي هو جماع الروح والمادة والقلب والعقل والدين والحضارة الإنسانية، فما أحوج البشرية إلى قيم الأمة البشرية العربية وثقافتها وفكرها الإيجابي القادر على الحياة والحركة والأخذ والعطاء.وأنتم يا شباب المسلمين المختارين لحمل رايات هذا الوطن وأمانة هذه الأمة لتدفعوها إلى الأمام، حتى تتسلم القيادة لهذه الإنسانية، لتوجهها في طريقها الصحيح، وتحقق رسالتها التي خلقها الله من أجلها.. (ويقولون متى هو؟قل: عسى أن يكون قريبا).