غداً سيبدأ العام الدراسي الجديد وسينتقل ابني من غرفة نومه ماشياً على قدميه يحمل فوق ظهره جعبته المدرسية التي ينوء بحملها الرجل مفتول العضلات إلى غرفة المطبخ الذي تحول بقدرة قادر إلى فصل دراسي ينحشر داخله أرتال من الأنوف الصغيرة التي تحاول التقاط بعض نفحات المكيف المهترئ الأوحد , في مشهد ألفناه صغاراً وحلمنا بتغييره لكن ذلك لم يحدث ورغم أنف التقدم الاقتصادي الهائل لازال ينتظر من يسدل عليه الستار . والمطلوب من المعلم في هذه الحظيرة البشرية أن يشرح و يوضح ويجري التجارب ويناقش وينفذ تعليمات أصحاب المكاتب المكيفة بنظام الريموت كنترول حتى لو تسربل بعرقه وذابت رئتيه لا يهم !!. ولن يتنفس الصعداء إلا على وقع جرس الفسحة الموسيقي عندها يحق له أن ينعم بالراحة تحت الهنقر الصدئ ويحق لطلابه النجباء أن ينطلقوا مهرولين إلى مسابح الصراصير ومتنزهات فئران المجاري التي تسكن فيما تسمى مجازاً أكرمكم الله حمامات لقضاء حاجاتهم الشخصية في طابور كطابور أصحاب الملفات الخضراء في ديوان الخدمة المدنية تحت إشراف معلمهم الذي يتضوع عبق رائحة النشادر و... . ثم ينتقل الجميع تحفهم الرعاية التربوية إلى مقصف المدرسة النموذجي الذي يقدم بدوره كل ما لذ وطاب من شكشوكة بنقالية وتونة هندية وشراب افتح واشرب المغذي ليصابوا بسبب ذلك بتلبك معوي وإسهال يضاعف من نسبة الروائح المستنشقة لدى المعلمين إضافة لضربات الشمس والأمراض الجلدية جراء هذا الجو التربوي الصحي . والمصيبة أن بعض مدراء المدارس يرفض أن يدخل طلابه المدرسة بوجبات طعام منزلية خفيفة حرصا منه طبعا على سلامة الطلاب وليس على مكاسب متعهد المقصف وهذا لاشك فيه . ما سردته سابقاً ليس خيالاً لكنه بعض الحقيقة ومن أراد الاستزادة من هذه الصورة فليتجه إلى مدرسة ابنه خاصة المستأجرة منها وليشاهد مرافقها ، أما البنات فكبر صورة ما رأيت في ذهنك عشر مرات وستصل للمنظر الحقيقي . عموماً هذا النوع من المدارس المستأجرة اقتضته الحاجة في مرحلة سابقة لكنها ظلت كما أسلفت بل وصعدت الجبال وهبطت الوهاد رغم كل جهود وزارة التربية والتعليم لإزالتها وإحلال المباني الجديدة بدلاً منها . العجيب والطريف هو منظر تلك الأبنية المدرسية المتهالكة وهي تجاور تلك الجوامع الرائعة بخدماتها وعمارتها ومرافقها مع أنهما يعيشان بنفس المكان ويقتاتان نفس البشر وحقيقة جزي الله من أقامها كل خير . لكن السؤال الذي يساورني هل هناك نية لدى فاعلي الخير أن يمدوا أيديهم لبناء مدارس لأبنائهم خاصة وأن الجوامع أصبحت كثيرة العدد ومتقاربة وتزيد عن حاجة المصلين ؟ ثم هل هناك ما يمنع ذلك سواء شرعا أو نظاما ؟ أعتقد أن ألأيادي الخيرة السعودية وصلت إلى خارج الوطن والأقربون أولى بالمعروف . فهل من التفاتة منها لخدمة هذا الوطن وهذه القيادة اللذان أعطيا ولم يستبقيا شيئا وقبل ذلك خدمة لدينها وإرضاء لمن رزقها ؟ قال تعالى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } البقرة215 محمد احمد محمد مدبش الخلائف ديحمة [email protected]