ألم نازح قبل عدة أيام قابلت رجلا طاعن في السن وعلى وجهة ملامح الحزن الظاهرة للعيان وكان يأكل في إحدى المطاعم بجواري وتجاذبنا أطراف الحديث وكان شغله الشاغل هي قريته التي تركها بسبب الوضع الحالي وكانت حرارة الدمع تدور في عينيه لولا شموخه الواضح منعه من أن يطلقها على خديه ودار بيننا حديث عن أيام صباه وعن أيام كان يرعى الغنم في الأودية والجبال القريبة من قريته , ولم يترك شيئا لم يتحدث عنه ولم يصمت أبدا وهو يتحدث عن جمال قريته وعن أنها أجمل ما في الكون وفي كل كلمة من كلماته اتضح لي مدى حبه وشغفه ( بديرته ) وتنهد قليلا وقال لي كنا قبل ما يقارب الخمسين عاما نجوع كثيرا ولا نجد قوت يومنا وكان لكل منا رداء واحد لا تجد من لديه أكثر من لباس وكنا مبسوطين مرتاحين لم نكن نفكر في شيء من هموم الدنيا , ومع الأيام نسينا ما لقريتنا من أهمية وما للبلد من عشق في قلوب الجميع إلى أن حلة الكارثة بنزوحنا ,, وددت في ذلك الوقت أن أموت وادفن في ارضي خنقتني العبرة لو لا أنني أردت أن أكون شجاعا لكي لا يحس أي ممن حولي بما بي ولكي نترك ديارنا بكل هدوء امتثالا للأوامر فنحن فداء للوطن ولكن نريد الرجعة حتى لو قاتلنا ووقفنا ضد هؤلاء فالأرض ليس لها مثيل ومن ثم تركني وفي عينيه حزن لا يكاد ينسى . نعم هي القرية نعم هي المدينة نعم هي البلدة نعم هو الوطن لا يستطيع أن ينسى أحد قريته فهي أعز عليه من غيرها . لم أكن أعي إلى أي مدى يمكن أن تشكل القرية من عشق حتى رأيت هذا الكهل نعم أنا أحب قريتي وأعشقها ولكن هذا علمني أن للعشق مذاهب فحب الوطن ليس له مثيل ولا زلت أذكر كلمة قالها لي وتدور في خلدي إلى الآن قال ( ياولدي أنت باقي صغير لكن إذا صرت شيبه وعلى امعكز بتعرف قصدي ) فعلا إنها الوطنية وحب الأرض والتراب فليس للوطنية عمر ولا زمن فهذا نازح طاعن في السن ولكن لديه من حب الأرض الكثير وكل من ينزح عن أرضه سيشتاق لها ولكن مع وجود أبو متعب أكيد أن النقلة التي سوف يحدثها في نفوس النازحين ستخفف عليهم الكثير فهو الملك الإنسان ذو القلب الرقيق الرحيم حفظه الله ذخرا للجميع . محمد سالم الغزواني