قال الراوي : يا سادة يا كرام , وبينما أنا أغط في سابع منام , قبل بضع ليال ونيف من الأيام , أتوسد قرية جازانية الجغرافيا , سعودية الزمان والمكان , إسلامية سنية المذهب إنسها والجان , طاف بي الخيال , وخفقت بي أجنحة الأطياف , لأنزل ضيفاً في فندقٍ , نجومه النجوم , وثرياته الثريا , وسائده قطع متجاورات من الضباب , وفرشه حرير وثير , وماؤه عذب نمير , وهواؤه نسائم تتنفس مع هبوبها أنفاس الندى وأطياف الشذا , مع هسهسات الفل والبرك والخزامى والعرار , آنيته من قوارير , زرابيه مبثوثة , وأكوابه موضوعة , أبواب حجراته مشرعة , وباحاته مترعه , إزدانت جدرانه بوشي منمنم , تعلوها لوحات من ذكر الرحمن , جاشت بها التعابير , وفيما كنت أمعن النظر من إحدى الشرفات , إذا بطارق ٍ كان طرقاته , تتقافز معها نبضات قلبي لحلاة إيقاعها , أكاد أهتز طرباً من رجع صداها , فلما أقتربت من الباب أهم بفتحه , وجدته ينفلق إلى فلقتين عجيبتين , كأنما كانت إحداهما تستعرض عجائب ألف ليلة وليلة , وكأنما الأخرى تبدي زينة الأندلس ليالي المعتمد وأمسيات ولادة , فما قطع سرحان ذهني , إلا تحية زميل نزل مني منزلة الفؤاد , وحل من عيني بين البياض والسواد , فأعتنقنا برهة ثم قال : ما شاء الله ! لقد دعيتَ لهذا الحفل , فرددت : لا أدري , لكنني موجود الآن هنا , وتسرني رؤيتك , قال : وأنا أيضاً , فقط أنا الآن في عجلة من أمري أريد تغطية هذا المؤتمر لصالح قناة ( أنت سعودي ) العالمية , قلت : حسناً , سآتي معك لأسمع وأرى , فدلفنا إلى إيوان ممرد , من ياقوت وزمرد , تتوسطه أيكة من الحسن تمايلت فروعها , فعجبت من الجمال والكمال وسرور الحال , فقال لي : لا تعجب , فأنت في قصر التاريخ , وهذه دوحة الوطن , وبعد قليل ستتوافد المناطق إلى هذا المكان , لعقد مؤتمر الميثاق , فكان وقع كل جملة عندي أعظم مما قبلها , فقلت : وما سبب هذا المؤتمر ؟ فقال : كأنك لا تقرأ يا أخي , ألم تسمع بديارٍ ليلها نهار , وخيرها يجوب البحار والأنهار , وفضلها تعجز عن وصفه الأقلام والأحبار ؟ قلت : نعم , لم أسمع بهذا من قبل لأنني بصراحة أسكن خير الأوطان بلاد الحرمين الشريفين , حيث يعم الرخاء , وينتفي العداء , والكل سواء في الخير والنماء , يقودنا أحب الملوك ألينا , ويفيء الله بالخير علينا , والكل من حولنا يتخطف , أما نحن فكل يوم يشرق لنا مجد جديد , جامعات , معاهد , مدارس , مصانع , نصنع الحضارة ولا نتزحزح عن عقيدتنا قيد أنملة , هكذا أسس فينا موحد شتاتنا عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – ثم مضى ومضى بعده بنوه كل يكمل المسيرة حتى وصلنا لعهدنا الزاهر ووضعنا الحاضر , فقهقه ضاحكاً وقال : إنه الوطن والديار , التي كنت أتحدث عنها قبل قليل , ياسعودي , يا مسلم , يا من سار بك المليك والعلماء الصفوة على نهج السلف الصالح , هنيئاً لنا جميعاً بمملكتنا الحالمة , العالمة , العاملة , فقلت : وما سبب هذا المؤتمر ؟ رد بعدما قطب حاجبيه : سأشرح لك ولكن دعنا نتابع دخول المناطق الآن لهذا الأيوان , فأخذنا تتابع دخول كل منطقة على حدة , حتى تأخذ مكانها المعد لها , وسط ترحيب وحفاوة مما سبقتها , لا أسمع غير القبلات , و لا أرى غير تلاقي شفتين , من ود وإعجاب , طاف بي لحظات , مع جميل وبثينه , وقيس ولبنى , وفجأة .. صمتت القاعة , وإذا بمنطقة تتهادى بين أيادي قريناتها , يتلألأ وجهها , تعلو محياها , بسمة جذلى , لم أر في حياتي أجمل منها , ولم أسمع أعذب من حديثها , فسبحت الله من جمالها , وبياض وجهها , وتناسق أعضاءها , ورددت داخلي : هذه الفتنة بعينها , فلما لاحظ صاحبي صمتي بادرني : ألا تعرف هذه المنطقة ؟ فأشرت دون كلام , بالنفي , فضحك حتى بدت نواجذه , وقال : دع عنك التصابي , وأنظر في قسمات وجهها , فلم أستطع لشدة بياضها , فأغضيت ببصري جانباً , واخذت أتابع , ولم أنتبه إلا على قول القائل : وأما الآن فيسرنا نحن رياض المجد والسؤدد , ومكة المقدسات والأيات , ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم الطيبة , وبقية منظومة مناطق ابن سعود - رعاها الله – أن نستمع إلى وصف الحبيبة جازان لسير المعارك الدائرة على حدودها , ونعرف تقييمها , للوضع الميداني هناك ... يتبع ..... للموضوع بقية نعيش معه في وقت لاحق إن شاء الله في الجزء الثاني...