بعد مرور عقدين من انتهائها، لاتزال تبعات الحرب الباردة تلقي بظلالها على العلاقات الدولية، وتثير جهات أوروبية هذه الأيام مسألة القنابل النووية التي تحتفظ بها القوات الأميركية في قواعدها الموجودة في عدد من بلدان القارة الأوروبية منذ الخمسينات. ويوجد في تلك القواعد ما لا يقل عن 200 قنبلة ذرية، يتم تخزين معظمها في ألمانيا. ويطالب مسؤولون في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتحديد مصير تلك القنابل قبل نهاية العام الجاري. ولطالما حاول الحلف التكتم على مواقع هذه الأسلحة الفتاكة، إلا أن عواصم أوروبية بدأت تطالب بإيجاد حل لهذه المشكلة نظراً لما تسببه الإشعاعات النووية من ضرر جسيم على صحة الإنسان والبيئة. وعلى الرغم من رغبة خمس دول في الحلف بنقل القنابل إلى الضفة الأخرى من الأطلسي، إلا أن وزراء خارجية طالبوا بأن تكون للحلف سياسة واضحة في المجال النووي. وتقول مصادر في (الناتو) إن الإبقاء على هذه القنابل التي يسميها خبراء الاستراتيجية العسكرية «أسلحة تكتيكية»، كان موضع جدل كبير داخل أروقة الحلف في بروكسل، منذ سنوات. ولا تستطيع كل انواع الطائرات الحربية حمل هذه القنابل، وتقتصر المهمة على طائرات تورنادو الألمانية والإيطالية، ومقاتلات «اف 16» الهولندية والبلجيكية والتركية. ويبدو أن ألمانيا قد أدركت خطر المسؤولية، حيث أعلنت أخيراً أنها لن تتحمل عبئاً بهذه الحجم لوحدها ودعت أعضاء الحلف الى تقاسم المسؤولية. ويقول محللون إن المسألة سياسية أكثر منها أمنية، علماً بأن قنابل ال«بي 61» أصبحت تكنولوجيا قديمة، والجيل الجديد يختلف كثيراً من حيث الأداء والدقة. وكان هدف واشنطن الرئيس من نشر الأسلحة المدمرة في أوروبا هو حماية «القارة القديمة» من التهديدات الشيوعية القادمة من الشرق. وفي خطوة جديدة، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام عن عزم بلاده خفض الترسانة النووية في إطار الخطة الجديدة للأمن القومي. وعلى صعيد آخر تحاول ألمانيا التحكم في عشرات القنابل التي توجد على أراضيها، بمساعدة خبراء نرويجيين. ويوجد في قاعدة بوتشل نحو 20 قنبلة نووية، تسبب قلقاً لبرلين منذ فترة، وتوجد القاعدة على بعد 100 كيلومتر من الأراضي الفرنسية. وذكرت صحف بريطانية، قبل خمس سنوات، عن تقرير لوكالة البحوث الأميركية أن الولاياتالمتحدة لديها اكثر من 100 سلاح نووي في قاعدة لاكينهيث في ضواحي سوفولك الانجليزية وأن هذا العدد اكبر بثلاث مرات مما كان يعتقد من قبل. وقالت المصادر إن القنابل التكتيكية البالغ عددها 110 الموجودة في قاعدة ايست انجيليا في بريطانيا حيث تتمركز ايضاً الطائرات الهجومية «اف 15» هي جزء من 480 قنبلة من هذه الأسلحة التي تملكها واشنطن وتنشرها في اماكن متعددة من اوروبا ويمكن القاؤها من الطائرات. ومهما يكن تباين الأرقام التي تعلنها المراكز البحثية فإن خطر الأسلحة النووية بات يشكل تهديداً حقيقياً للسلام العالمي. يذكر أن أميركا تعهدت في اتفاقات سابقة بتزويد عدد من الدول الأوروبية، من بينها بلدان لا تمتلك التقنية النووية، بعشرات القنابل النووية في حال نشوب حرب، الأمر الذي يشكل خرقاً صارخاً للقانون الدولي لأن معاهدة منع انتشار السلاح النووي تمنع الدول النووية من تحويل السلاح النووي الى دول غير نووية.